من تاريخ وفلكلور الشعوب
الباحث في التراث البغدادي
ياسر العبيدي
غطاء الرأس له معاني ودلائل اخترعتها الشعوب من قديم الزمان لكي تميز بين الناس من دون السؤال وتدل تلك على مكانة وشخصية ذلك الشخص ومنها الطربوش.
لقد كان الطربوش يلبس كغطاء للرأس وقد تتميزت به البلدان العربية في المغرب العربي ومصر وسوريا والعراق والدولة العثمانية.
ويعود تاريخ وأصل الطربوش ومن أين جاءت وتعتبر من الفلكلور الذي يهتم به الباحثون لكي يقومو بتقيم تلك الشعوب وما كانت علية من الثقافة والحضارة والتقدم.
إن أصل كلمة طربوش هي كلمة فارسية" وكانت كانت تكتب ~السربوش~ وقد تم تعريب تلك الكلمة فأصبحت يقال لها طربوش وهي غطاء الرأس بالعربية.
بدأ أستخدام غطاء الرأس "الطربوش في المغرب العربي وكان يزين رأس الرجال في منتصف القرن الخامس عشر~ وقد كان مقتصراً على الحكام والولاة لكي تجعلهم متمتيزون وهو لباس تعريف بمكانتهم الاجتماعية.
يصنع الطربوش محلياً من خيوط اللباد السميكة، وكان في بداية الامر لون الطربوش أسود وأستمر صنع الطربوش بهذا اللون وبصناعة يديوية دون أن يتغير لونه.
وقد بدأ غطاء الرأس يأخذ رواجاً في السوق ولايمكن الاستغناء عنه كما هي لغة السوق العرض والطلب، ففي القرن التاسع عشر تم تأسيس مصانع لصناعة المخمل الاحمر الذي يدخل في صناعة الطربوش في أوربا وبالخصوص في نمسا، فتحول لون الطربوش الى اللون الاحمر بكل درجاته.
كان معظم أنتاج معامل المخمل الاحمر تصدر الى ولايات الامبراطورية العثمانية ومنها المغرب العربي وكانت تعتبر موضة تلك الفترة.
بدء استعمال غطاء الرأس الطربوش في الدوله العثمانية في عهد حكم السلطان محمود الثاني في القرن الثامن عشر، الذي أمر الامراء والولاة وكبار رجلات الدولة بلبس الطربوش.
إنتقل لبس الطربوش بعد المغرب الى ولاية الشام، ومصر، وأخذ الطربوش أشكالاََ مختلفه بحيث كان يختلف الشكل الذي يرتديه الحكام، عند الذي يرتديه غيرهم.
في المغرب أصبح شكل الطربوش قصير الطول، في حين كان شكل الطربوش الذي يرتدية المصريين والشاميين أطول قليلاً عما يرتدية أهل المغرب العربي.
انتشر الطربوش بسرعه في مصر في فترة حكم "محمد علي باشا"، فتم إنشاء مصنع للطرابيش في مصر، اما في في معظم أنحاء الدوله العثمانية فقد كانت تستورد قسم من الطرابيش من النمسا التي كانت الأجمل والاغلى، من حيث نوع قماش المخمل الأحمر.
تم تعميم لباس الطربوش على علماء و طلاب الازهر، وبذلك أصبح يوضع بدل عمامة القماش بحيث يضاف على الطربوش قطعة قماش كاشاره، انه خاص بالمشايخ ولا زال مستخدماً الى الوقت الحالي.
أصبح الطربوش بعد منتصف القرن التاسع عشر هو غطاء الرأس المعتمد لكافة موظفي الدوله والجيش والطلاب والوجهاء والأعيان، في سورية ومصر والعراق.
أن ادامة الطربوش تختلف عن بقية الاقمشة فالخامة التي يتكون منها الطربوش لاتغسل بالماء ولكن يتم مسحها بقماش، وأن تعرضت الى الماء فكانت هنالك محلات متخصصة تقوم بأدامتها وكويها يدوياً على قالب نحاسي معد لتلك المهمة.
انقرضت تلك المحلات بعد أن ترك الاعتمار بالطربوش في بقية الدول وبقي هنالك محلات في سوريا لان الطربوش بقي يستخدم لفترة متأخرة، وكان هنالك دكانين في سوق الحميدية بدمشق، أحدهما ابو عارف دقماق تاجر الاجواخ المعروف.
ومن التجار الذين كانوا يعملون بهذه المهنة وكما متعارف في المدن الكبيرة تلقب العوائل بالمن التي يزاولونها فكانت هنالك عائلة تجارية مشهورة بدمشق إسمها إل الطرابيشي، بقيت هذه تزاول في سوريا عملها لغاية العقد الثامن من القرن الماضي.
لقد تسبب الطربوش في ازمة دبلوماسية حيث عدت تلك الحادثة بمثابة أهانة لمصر وملكها، وقامت بسحب السفير المصري من تركيا فقامت حكومة تركيا بتقديم الاعتذار الرسمي.
وكانت تلك الحادثة حين أصدر اتاتورك قانون القبعة لكي يلغي استخدام الطربوش في الدوائر الرسمية لانه يعتبرة يمثل الدولة العثمانية.
فكان ذلك القرار احد اسباب الازمة الدبلوماسية مع مصر حين طلب من السفير المصري خلع الطربوش في حفلة عشاء فما كان من السفير المصري مغادرة المكان واعتبره أهانة له ولدولته.
اما في مصر فقد انتهى لباس الطربوش أسرع من سورية بسبب قيام انقلاب 23 يوليو 1953 حيث أصدر الرئيس جمال عبد الناصر، قرار يمنع فيه ارتداء الطربوش في الجيش والمؤسسات العامه من بداية عام 1954 مما عد نهاية اعتمار الطربوش في مصر.
لازالت المملكة المغربية تعتبر غطاء الرأس الطربوش زياً رسمياً ويعتمره الملك خلال تجوالة وفي المراسيم والمناسبات الرسمية.
لقد ارتبط اعتمار الطربوش بالعادات الشرقية وبالمناسبات الدينية والفلكلور الشرقي ولقد استخدم المشاهير اعتمار الطربوش مثل مايكل جاكسون او انديانا جونز للدلالة الرمزية للشرق وكذلك مادونا.
أن للذكريات المرتبطة بالاحداث والتصور والدلالة فكان الطربوش بديلاً للعمامة التي كانت تستخدم عسى أن تعود معها الخير للامة وتبعث من جديد.
عندما كنت مسافراً الى سوريا في العام 2000 وعند عودتي للعراق اشتريت طربوش لكي يعتمره اولادي ولا علم لي اين أصبح الآن.
الذهاب الى مقال اخر للكاتب من هنا