ذلك الخان الذي يحتوي بين طياتة قصص فريدة عن مربي الخيول العربية الاصيلة في شهربان، هو السيد هوبي الحَصّان، سائس الخيول الاصيلة.
الممر الواسع عند المدخل كان في الصباح يستعمل كعلوة لبيع الحاصلات الزراعية وهناك قضيت أكثر من ثلاثة أشهر في العمل مسجل لحركة البيع بديلا ً عن إبن زوج عمتي الذي كان يؤدي إمتحانات الإعدادية للصف المنتهي (الخامس الأدبي).
وقد أستغربت الطلب الذي طلبه مني المرحوم الحاج " هوبي " بأن أجلب معي علاقة فارغة من البيت كل صباح أجيء فيه للدوام .
يوم ما نفذت الأمر وجلبت ~العلاقة، لاحظت أن الحاج هوبي كان أول من يفتح الصندوق الذي فيه الفواكه والمغطاة بأوراق الأشجار كأوراق الموز والعنب وكذلك السلال المصنوعة من أغصان أشجار الرمان والتي يستعملها الفلاحين لتسويق حاصلاتهم.
كان الحاج هوبي يرفع ما يسمى بـ " رأس السلة " والمقصود به الفواكه الناضجة والجيدة التي يختارها الفلاح ليضعها فوق الفاكهة الباقية لتشكل منظراً زاهيا ً يغري المشتري، فيسهم الحاج بذلك بكسر سعرها والبيع بسعر يرضي البقال.
أما ما يتجمع من رؤوس السلال فكان يوزعه بعد إنتهاء عملية البيع علينا جميعا ليأخذ كل منا نصيبه للبيت.
لم أستمر في عملية جلب العلاقة سوى يومين آخرين و أخذت أتظاهر بنسيانها في البيت.
أما المساحة الوسطى فكما أسلفت كانت تحتوي على حظائر الخيل " التي أكتسب منها المرحوم العم" هوبي" لقب" الحَصّانْ"، التي كانت تحتوي خيولا ً أصيلة، وحماراً من نوع الحساوي يبلغ في حجمه وإرتفاعه حجم وإرتفاع حصان ونصف تقريباً.
كان العم "يحيى" يصنع للمزارعين كل الأقسام الخشبية في أدواتهم .. مثلا ً " الشبي " وهو العتلة الخشبية التي تدخل في " المسحاة " أو الكرك" لتكون جاهزة للعمل.
كانت المسحاة تحتاج لوصلة ثانية تسمى " الدوسة " وهي قطعة خشبية تشبه في مظهرها الخارجي شكل الصمون الحجري تحفر من وسطها بشكل دائرة قطرها أصغر بقليل من قطر " الشبي"يتم إدخالها من الأعلى ويتم تثبيتها بالدق عليها.
أما قصة العم "هوبي" مع الخيول... فقد أتضح لي من خلال مزاولة العمل أن العم"هوبي" كان مربيا ً للخيل وكان نساباً لها، ويعرف إصولها... فهذه الفرس مثلا ً ... هي بنت الفرس "س" والحصان "ص".
كانت تلك الخيول في معظمها من الخيول الأصيلة، كان العم "هوبي" يتاجر بها بيعاً لصالات السباق في بغداد وحتى بيروت.
أما الحصن فهي لأنتاج الخيل، وأما الحمارالحساوي فهو لأنتاج البغال، التي كانت مفضلة على أيامها لدى المزارعين، لما عرفت به من قدرة على الحمل والتحمل.
كان ولده "إبراهيم" يقوم بعملية ترويض المهر أو المهرة تمهيداً لجعلها سهلة القياد والركوب في عملية تسمى "كسر الظهر".
يقومون بتقيد قوائم المهر بحلقة حديدية مربوطة بسلسلة يمسكها أحد الأولاد الأخرين، أما لسانها فتطبق عليه ما هي أشبه بالقارصة مربوطة بحبل يمسكه "ستار" الإبن الأكبر.
من خلال عمليات السفاد الكثيرة التي تمت في السنين المنصرمة يبدو أن العم "هوبي" قد أكتسب خبرة في علاج الحالات المستعصية التي تفشل من خلالها عملية التلقيح قد لا تتحصل حتى عند الأطباء البيطريين آنذاك على قلتهم.
ثم ينادي عليهم بجلب الحصان الفلاني لأتمام عملية السفاد والتي لا تعقبها فترة تمتد من شهرين إلى ثلاثة حتى يأتي المزارع نفسه شاكراً العم هوبي على حصول الحمل .
لعل من أطرف المواقف التي علقت بالذاكرة ذات يوم ... فجأة ودون سابق إنذار دخل "عدنان القهوجي " مهرولا ً ليتخذ له محل جلوس على ما وصفته بأنه محل تغذية الخيول، تبعه العم المرحوم "يوسف صادق عتيشا" بعد أن أغلق محله مؤقتاً، يليه فلان الحلاق ...وفلان و فلان ... وكل منهم أتخذ له محلاً في ذلك المكان! وسط دهشتي وذهولي .
لم تذهب دهشتي بعيداً؛ إلا عندما لاحظت دخول أحد المزارعين وهو يقود فرساً تعود له، جالبا ً أياها لغرض التسفيد.
الأمر الذي أستوجب إراحته قليلا ً قبل معاودة الكرة وسط ضحكات المتفرجين.
في المرة الثانية أيضا كاد أن يفشل في وطئها لولا مبادرة من "ستار" وبإيعاز من العم "هوبي" بتقديم المساعدة له وسط ضحك وتصفيق وتهليل المتفرجين.
بعد أن تمت العملية بنجاح كان على ستار أن يجلب جردل الماء ويرميه على الحساوي لتبريده وتبريد السلاح بعد الأستعمال.