recent
أخبار ساخنة

هوبي الحَصّان" مربي الخيول العربية الاصيلة في شهربان

Site Administration
الصفحة الرئيسية

هوبي الحَصّان" مربي الخيول العربية الاصيلة في شهربان 

بقلم/عامر كامل

ذلك الخان الذي يحتوي بين طياتة قصص فريدة عن مربي الخيول العربية الاصيلة في شهربان، هو السيد هوبي الحَصّان، سائس الخيول الاصيلة.

وسط المدينة تقريبا ً كان موقع الخان ... وأنت داخل له على يسارك تقع مقهى المرحوم العم العزيز " جاسم يوبه " وعلى يمينك يقع محل المرحوم الحاج " مهدي محمود الخالدي " , وأنت تقطع الممر الصغير الواسع الواقع بينهما ستلاقيك ساحة كبيرة وفضاء واسع يمتد جدار الخان من جهة اليسار إلى ما يقع خلف مقهى " رحمن سفر" ومن جهة اليمين إلى ما يقع خلف مقهى " حسن طكطك " .

الممر الواسع عند المدخل كان في الصباح يستعمل كعلوة لبيع الحاصلات الزراعية وهناك قضيت أكثر من ثلاثة أشهر في العمل مسجل لحركة البيع بديلا ً عن إبن زوج عمتي الذي كان يؤدي إمتحانات الإعدادية للصف المنتهي (الخامس الأدبي). 

وقد أستغربت الطلب الذي طلبه مني المرحوم الحاج " هوبي " بأن أجلب معي علاقة فارغة من البيت كل صباح أجيء فيه للدوام .

يوم ما نفذت الأمر وجلبت ~العلاقة، لاحظت أن الحاج هوبي كان أول من يفتح الصندوق الذي فيه الفواكه والمغطاة بأوراق الأشجار كأوراق الموز والعنب وكذلك السلال المصنوعة من أغصان أشجار الرمان والتي يستعملها الفلاحين لتسويق حاصلاتهم.

كان الحاج هوبي يرفع ما يسمى بـ " رأس السلة " والمقصود به الفواكه الناضجة والجيدة التي يختارها الفلاح ليضعها فوق الفاكهة الباقية لتشكل منظراً زاهيا ً يغري المشتري، فيسهم الحاج بذلك بكسر سعرها والبيع بسعر يرضي البقال.

أما ما يتجمع من رؤوس السلال فكان يوزعه بعد إنتهاء عملية البيع علينا جميعا ليأخذ كل منا نصيبه للبيت. 

يومها شعرت بإنكسار وذل الفلاحين وهم يرون العملية ويسكتون إما إكراماً له أو لضمان بيع منتوجهم والعودة بما يسد إحتياجات بيوتهم من الأموال. 

لم أستمر في عملية جلب العلاقة سوى يومين آخرين و أخذت أتظاهر بنسيانها في البيت.

أما الساحة والفضاء الواسع فكانت تحوي على الجانب المقابل للبوابة مجموعة محلات يتوسطها حظيرتين لتربية الخيول. 
وهناك محلان لتغدية الخيول يمتدان من مدخل الحظائر بصورة متوازية ليقطعان الساحة إلى ثلاثة أقسام تقريباً:- 
الجهة القريبة من الحائط المحاذي لمقهى " حسن طكطك " كان محل العم الكبير " مهدي الصباغ – والد العم إبراهيم " يشغل مساحة كبيرة منها هي والحائط. 
العم الكبير كان يمتهن صباغة الأصواف العادية والمغزولة، في قدور كبيرة كالتي تستعمل في صناعة " الهريسة " والتي تحتوي الماء المغلي مضافاً إليه اللون المطلوب، بعد أن تتم العملية يقوم بنشرها على حبال نظمت على طول الجدار الفاصل بين البستان وساحة الخان.

أما المساحة الوسطى فكما أسلفت كانت تحتوي على حظائر الخيل " التي أكتسب منها المرحوم العم" هوبي" لقب" الحَصّانْ"، التي كانت تحتوي خيولا ً أصيلة، وحماراً من نوع الحساوي يبلغ في حجمه وإرتفاعه حجم وإرتفاع حصان ونصف تقريباً.

الفسحة الأخيرة التي يحاذي جدارها الشارع المؤدي إلى المقبرة القديمة "المقام" والذي يقابل بيوتات محلة القلعة. 
ومن أشهر بيوتها المقابلة لجدار الخان كان بيت المرحوم الشيخ "محمد عباس الشلال"، هذه الفسحة كانت تحتوي محلات حدادة ونجارة وعلى ما أذكر كان من ضمنها محل العم "يحيى النجار – والد محمد".

كان العم "يحيى" يصنع للمزارعين كل الأقسام الخشبية في أدواتهم .. مثلا ً " الشبي " وهو العتلة الخشبية التي تدخل في " المسحاة " أو الكرك" لتكون جاهزة للعمل. 

كانت المسحاة تحتاج لوصلة ثانية تسمى " الدوسة " وهي قطعة خشبية تشبه في مظهرها الخارجي شكل الصمون الحجري تحفر من وسطها بشكل دائرة قطرها أصغر بقليل من قطر " الشبي"يتم إدخالها من الأعلى ويتم تثبيتها بالدق عليها.

أما محل الحدادة فكان يغطي معظم إحتياجاتهم الأخرى ... مثلاً حد الأدوات المستخدمة في الزراعة .." المسحاة / الكرك / المجل / الجلاب / قطعتي السكاكين اللواتي يشكلن معاً مقص جز الأصواف من أغنامهم والسلاسل الحديدية المنتهية بحلقة معدنية من جانب توضع في القدم وبقلم حديدي طويل يدعى " الثِبات ْ " تستعمل في ربط الحيوانات في المزرعة أو حتى في الحظيرة.

أما قصة العم "هوبي" مع الخيول... فقد أتضح لي من خلال مزاولة العمل أن العم"هوبي" كان مربيا ً للخيل وكان نساباً لها، ويعرف إصولها... فهذه الفرس مثلا ً ... هي بنت الفرس "س" والحصان "ص". 

كانت تلك الخيول في معظمها من الخيول الأصيلة، كان العم "هوبي" يتاجر بها بيعاً لصالات السباق في بغداد وحتى بيروت.

كان العم "هوبي" يستخدم الحصن منها وهذا الحمار الحساوي لما يسمى بـ " السفاد " أي التلقيح لغرض التكاثر. 

أما الحصن فهي لأنتاج الخيل، وأما الحمارالحساوي فهو لأنتاج البغال، التي كانت مفضلة على أيامها لدى المزارعين، لما عرفت به من قدرة على الحمل والتحمل. 

كانت عملية السفاد هذه تجري وفق عقود يسودها العرف التجاري السائد يومذاك؛ فكانت الإجرة هي نصف دينار على ما أتذكر، وإذا ما كانت الفرس باكرا ً فالشرط الموضوع من قبله، أن يكون ولدها البكر هدية من المزارع للعم "هوبي" الذي يضيف المهر إلى مجموعته التي أشتهر بها.

كان ولده "إبراهيم" يقوم بعملية ترويض المهر أو المهرة تمهيداً لجعلها سهلة القياد والركوب في عملية تسمى "كسر الظهر". 

يقومون بتقيد قوائم المهر بحلقة حديدية مربوطة بسلسلة يمسكها أحد الأولاد الأخرين، أما لسانها فتطبق عليه ما هي أشبه بالقارصة مربوطة بحبل يمسكه "ستار" الإبن الأكبر.

يسيرون بها في الساحة جيئة وذهاباً وسط ممانعة من المهر أو المهره في قبول "إبراهيم" كفارس ممتطي لظهرها، تصل أحياناً لحد العنف عن طريق الرفس بالقوائم للآخرين. 
وأتذكر ذات مرة أن مهراً بعد أن فرغ من رفس "ستار" والآخرين قفز قفزة ألقت بإبراهيم من فوق ظهره على الأرض ولمسافة ثلاثة أمتار تقريبا ً الأمر الذي أدى لكسر في ذراعه الأيمن.

من خلال عمليات السفاد الكثيرة التي تمت في السنين المنصرمة يبدو أن العم "هوبي" قد أكتسب خبرة في علاج الحالات المستعصية التي تفشل من خلالها عملية التلقيح قد لا تتحصل حتى عند الأطباء البيطريين آنذاك على قلتهم. 

فمثلا ً عندما يأتي المزارع بالفرس قائلاً بعدم حصول الحمل، كان العم ينادي على إبنه الأكبر طالباً أن يأتيه بجردل ماء ويذوب به قطعة صابون "رقي" وبعد أن يرفع أكمام قميصه إلى أعلى الكتف يبدأ بدهن يده بالمحلول ويدخل يده كاملة في العضو الأنثوي للفرس، يستمر في التقليب لمدة دقائق. 

ثم ينادي عليهم بجلب الحصان الفلاني لأتمام عملية السفاد والتي لا تعقبها فترة تمتد من شهرين إلى ثلاثة حتى يأتي المزارع نفسه شاكراً العم هوبي على حصول الحمل .

لعل من أطرف المواقف التي علقت بالذاكرة ذات يوم ... فجأة ودون سابق إنذار دخل "عدنان القهوجي " مهرولا ً ليتخذ له محل جلوس على ما وصفته بأنه محل تغذية الخيول، تبعه العم المرحوم "يوسف صادق عتيشا" بعد أن أغلق محله مؤقتاً، يليه فلان الحلاق ...وفلان و فلان ... وكل منهم أتخذ له محلاً  في ذلك المكان! وسط دهشتي وذهولي .

لم تذهب دهشتي بعيداً؛ إلا عندما لاحظت دخول أحد المزارعين وهو يقود فرساً تعود له، جالبا ً أياها لغرض التسفيد.

لم أتمالك نفسي من الضحك ساعتها، فالجميع جاء لمشاهدة فلم إباحي مجاني، لايخلو من الطرافة في معظم فصوله، إذ كان المزارع يريد من عملية التسفيد إنتاج بغل، هذا يعني أن بطل الفلم سيكون ذلك الحساوي العملاق في كل شيء حتى في سلاحه الشخصي.
ما أن بدأ الفلم الصامت والذي لم تصاحبه أية موسيقى تصويرية حتى أخذ "ستار" يوجه رأس الحساوي جيئة وذهابا ً قرب الفرس الصغيرة الحجم حتى أنتفض الحساوي قافزاً لكنه أفلت الفرس. 

الأمر الذي أستوجب إراحته قليلا ً قبل معاودة الكرة وسط ضحكات المتفرجين.

في المرة الثانية أيضا كاد أن يفشل في وطئها لولا مبادرة من "ستار" وبإيعاز من العم "هوبي" بتقديم المساعدة له وسط ضحك وتصفيق وتهليل المتفرجين. 

بعد أن تمت العملية بنجاح كان على ستار أن يجلب جردل الماء ويرميه على الحساوي لتبريده وتبريد السلاح بعد الأستعمال.

لقد تفرد العم"هوبي" بمهنة سائس الخيل والخبير وكل ما يتعلق بطرق تربيتها وأعدادها يبدو أنه يعشقها، أنها مهنة ليست بسهلة أن تغور في أسبارها، أنها مهنة الجدود ومن أرقى المهن قديماً وحديثاً.
الذهاب لمقال اخر للكاتب من هنا
google-playkhamsatmostaqltradent