صاحب ألذ كباب في شهربان تذوقته
الاستاذ/عامر كامل
تبقى الذاكرة تختزن تفاصيل صغيرة لكنها تبقى عالقة تحتاج لمن يرسمها على شكل حروف ليرسم بها لوحة مزخرفة" درويش سليم ومطعم صغير والذ كباب تذوقته في مدينتي شهربان.
ومن هنا تبدأ الحكاية~على الجهة اليمنى للقادم سيراً على الأقدام من السوق الكبير..
سوق القصابين وباعة الخضراوات بأتجاه محلة النجاجير وعند مدخلها حيث يقبع دار عائلة الفاضل " أمين جليل " في الركن الأيمن من الطريق المؤدي إلى مدخلها كانت تقابله ماأشبه بالقيصرية في الأيام الحالية ...
لا أذكر اليوم بعد كل هذه العقود الطويلة من السنين إن كانت هذه القيصيرية " خاناً " أو بقايا خان .
كان هناك في الجهة المقابلة لبيت السيد أبو جلال ممراً ضيقاً يمر بين البيوت مفضياً إلى قنطرة على " شاخة " شهربان في الأعلى من دارة المرحوم " حسين جدوع العزاوي " القائمة يومذاك على حافة النهر.
عندما تعبر القنطرة يتفرع الطريق إلى ثلاث شعب اليسرى منه تأخذك ثانية إلى قلب السوق والوسطى تأخذك إلى محلة الحداحدة واليمنى إلى بيوت " عطية الزمو " وهوبي الحصان " وحمام "آل شبلاوي " العام .
نعود إلى بداية حديثنا، في الجهة اليمنى كانت بقايا الخان وكانت هناك دكانة سليمة ببوابة خشبية من درفتين، يقطنها رجل تجاوز السبعين من العمر، قصير القامة، مملوء البنية، يتكلم العربية بلكنة كردية واضحة يرتدي الزي العربي المتكون من الدشداشة وفوقها ما يسمى بالدميري.
كانت لديه لازمة جميلة في الحديث كلما أراد ملاطفة أحد يختم حديثه بإبتسامة لطيفة قائلاً: " خره بقبر أمي " .
كان كما يقولون " مقطوعاً من شجرة " لا أحد في المدينة من أجيالنا يعرف من أين أتى ومتى أستقر في مدينتنا ولربما جيل آبائنا وأجدانا كانوا يعرفون عنه شيئا ً لكنهم أخذوه معهم إلى مثاويهم الأخيرة.
بقى هو سراً غامضاً بالنسبة لي وللقليل من أبناء جيلي الذين أعتقد أن بعضهم قد يتذكره والبعض الآخر لا يتذكره بسبب ما مروا به وما مر على البلاد من ظروف أتعبت ذاكرة الكثيرين .
في بعض ما رشح لي من معلومات عنه أنه من أهالي نواحي مدينة السليمانية جاء نازحاً إلى المدينة في بواكير القرن العشرين، وفي رواية أخرى أنه من مواطني دول شرق آسيا الذين قدموا مع الجيش التركي في الحرب العالمية الأولى وأستقر في المدينة.
كما هو حال الأخوة والأصدقاء الأعزة من أبناء الشيشان وداغستان والذين أستقروا في قرية تقع إلى الجنوب الشرقي للمدينة سميت بأسمهم مع قليل من التحوير واعني بذلك قرية " الچچان " التي أنجبت أسماء لامعة في تاريخ المدينة والوطن من حكام وقضاة ورياضيين بارزين وأولهم البطل " عدنان بيرام " وآخرهم الدكتور " شامل كامل " .
الدكانه تلك كانت كما أسلفت محل سكن له، لكنها كانت في نفس الوقت محل صنعته، لقد كان يقدم أشهى كباب قد أكون تذوقته في حياتي.
كان سعر الشيش من ذاك الكباب 10 فلوس فقط لا غيرها، وكاد أن يكون منافساً قوياً لا بل كان المنافس الأقوى لبائعات القيمر المحلي الراقي .
لمن أعيته الذاكرة من أبناء جيلي ومن لم يسمع بأسمه أو لم ير موقع الدكان ولشهربان العزيزة وذاكرتها التي يجب أن تبقى حية في أذهان هذه الأجيال.
رغم عصارات الألم التي أفرزتها الظروف الحالية كان أسم الرجل " درويش سليم " رحمه الله وأسكنه في فسيح جناته .