من تاريخهم وحاضرهم
راسم العكيدي
هل استوعب العراقيون الدرس من تاريخهم المضطرب وحاضرهم الملبد بالغيوم ؟
لا استيعاب بدون هظم التجربة والاستفادة من دروس الماضي وتحويلها الى نهج متغير وفق متغيرات الزمن والتطور.
السلطة ليست وحدها المعنية ببناء الدولة وتحديد شكلها بل المجتمع هو المعني الاول في تحديد شكل الدولة وبنائها وحتى السلطة هي نتاج المجتمع وممثلة له فيجب ان تتبع رؤية المجتمع لبناء الدولة وشكلها فالسلطة ليست مخولة بامتياز وتصرف لبناء الدولة وفق رؤية شخصية او فئوية او قبلية او طائفية او عنصرية.
لا السلطة اسست دولة ولا هي سمحت للمجتمع ببناء دولته عبر تواصل المجتمع ومؤسساته المدنية كرأس مال اجتماعي متماسك.
ظل العراق تديره طبقة سياسية وفق نهج عملية سياسية اسست للعنف والفوضى وتفكيك نسيج المجتمع لكي تدوم سلطة سياسية تدير سؤون البلد ومصالح الشعب وفق اسلوب ضيق ونهج محاصصاتي تم مؤسسته.
منذ احتجاجات تشرين بدأ نهج جديد ينمو وهو اعتماد المجتمع على الذات واهمال السلطة ومتباعة افعالها وفضحها والاحتجاج عليها لحين المعالجة والرجوع عن ما يشكل ضرر للمجتمع.
لقد انضجت ثورة تشرين رؤية المجتمع وتجربته وقناعاته بعزل السلطة عن نشاطات وشؤون المجتمع واهمال وعودها وكلامها تمهيداً لتقييدها بصلاحياتها الحصرية ووظيفتها التي هي واجبات وتكليف وليس امتياز ومكسب.
هظم المجتمع تجربته واستعوب الدرس مع انه لم ينظمه بما يخلق مصير ويبني الدولة لكنه اعتمد على ذاته ومقدراته واستحضر روح جديدة وثابة واستقوى بقابليات اسطورية مكنونة في الذات.
بدأ بممارسة نشاطات في الزراعة والصناعة والتجارة والتعليم والتربية والصحة والخدمات الاخرى وتوفير الطاقة وتنظيف الشوارع بل وحتى حفر الابار للسقي والشرب لتفادي ازمات عطش محتملة.
هي نشاطات جبارة لشعب جبار ظل يؤمن بحتمية استمرار الحياة من اجل البقاء فرغم الظروف الصعبة والاوضاع المأساوية ظل يتكاثر والنساء تنجب في خيم التهجير وظل الفقراء يرسلون ابنائهم للمدارس والجامعات.
ظل العاطلون باحثين عن فرص عمل ويعملون في ادناها للعيش وبدأت عمليات الاقتراض والسلف لبناء البيوت وتاسيس مشاريع صغرى ومتوسطة وكبيرة.
هو امل جديد وتبديد للمخاوف وعدم الاعتماد على السلطة بل وعزلها وتقييدها لتبقى حبيسة لموقعها بهوسها وثرثرتها وضجيجها وصخبها وتهريجها الذي لم يعد يهتم به طرف واصبحت السلطة في طور التجاهل من قبل المجتمع.
فكل الصروح والتجميل هو جهد ونشاط المجتمع وسكان المدن وليس جهد الحكومة ووزاراتها ودوائرها المهملة التي لا تهتم الا بفسادها وما به نفع لها.
انه المجتمع الذي اختار طريقة يعيد بها الوطن بعيداً عن السلطة ودون شراكة معها ودون مساعدة منها وسيأتي فجراً سيكون الوطن قد حضر في كل ربوع الدولة فلا وعد يغري ولا وعيد يخيف.
الذهاب الى مقال اخر للكاتب من هنا