تحليل ما بين السطور
لما جاء في خطاب البابا
راسم العكيدي
العراقيون قالوا وقالوا ثم قالوا وما زالوا يقولون وكأن كل لغات الارض والسنة الكائنات واصواتها تجمعت في العراق ولم يسمعوا بعضهم لانهم جميعاً يتكلمون لبعضهم لا لانفسهم اولاً.
تأسست صحف وجرائد ومجلات وفضائيات واذاعات وعقدت مؤتمرات وتجمعات واعلام واعلاميين وصحفيين وناشطين ومنظماتهم وروابطهم ومهنيين ونقاباتهم واتحاداتهم فلم تكن سوى صراخ في بئر مهجور وغناء في زير فارغ .
واستمر التراجع والتردي والعنف والقتل والدم والبارود ويسود الموت وتحتضر الحياة ولازال لدى العراقيين كلام كثير ولدى ساستهم وقت مفتوح للقول والتصريح والخطابات ولكن الفعل غائب والعمل مقيد وكأن من يقول يمنع من يعمل او يحاول الفعل ويبادر.
ما نريد قوله قلناه باعلى صوت حتى صار صخب وضجيج وتهريج وتحول الى هوس وثرثرة على ارض الرافدين وضفافها وجاء الحبر الاعظم بابا الفاتيكان ليترجم كل ما قلناه وتظاهرنا وتظاهر ساستنا وحكامنا بانهم سمعوا ووعوا ويرون ويعرفون ويدركون.
ليس القول هو الفيصل بل الفعل هو نقطة التحول؛ هكذا تكلم البابا وما اراد قوله وفعله (توفير الحاجات الاساسية يصنع السلام).
هذا ابسط مفهوم للتنمية وبان (التنمية هي الحل) لان التنمية هي الفعل الكامل والمتكامل دون صخب وتهريج وتنظير وشرح وتفسير وتاويل ذاتي متباين مختلف عليه بل التنمية فعل متفق عليه جامع فاعل.
لم يتكلم البابا عن الدين او الاديان والمذاهب والطوائف والاعراق لانه لو قال لقالوا ان الدين هو الحل (الاسلام هو الحل) بل قال قاطعاً الدرب على اي مفهوم يقسم ويمزق (ان الدم والدين لا يلتقيان).
لم يتكلم عن الديمقراطية فقد ثبت انها ليست الحل في مجتمعات تعاني خلل في الحكم الديمقراطي اساساً وتعاني السطوة والهيمنة والفقر والتجهيل نتيجة فساد سلطة تتسلق باسم الديمقراطية.
زيارة فعل بصوت الحكمة والعقل والتحدي والثبات والتماسك من بغداد الى اور والى النجف ونينوى واربيل وعلى مدى المسافات وحجم المساحات والخطوات والتضاريس والايحاءات والايماءات والاستقبال وشكله ونوعه كان هناك قول يجب ان يُفهم ولابد ان يُفهم لا مجرد ان يُسمع ويتبخر بعد الزيارة.
زيارة لكل العراق ولكل العراقيين تذكرهم بان التنوع عامل قوة لا ضعف، والعبرة ليست بالتنوع قولاً بل بتماسكه فعلاً، تذكرهم بحضارة بناها التنوع بثقافة التنوع فكان للعراق موقع مهم في العالم.
لم تزل الفرصة قائمة ولهم اشعاع في التاريخ وقد ضعف في الحاضر ولابد ان يعود ليكون لهم مستقبل.
زيارته للعراق ومن خلاله لكل العالم وللمنطقة والجوار العراقي ليعرف حجم وعمق ومكانة العراق وتاثيره ومطاولته وصبره الحليم وحضارته وثقافته ويبقى الفعل فعل ماضي ناقص يجب ان يرفع القول والقلم لتجف الصحف وتترجم الزيارة الى فعل وقناعة ثابتة لا استعراضية...
الذهاب الى مقال اخر للكاتب من هنا