الاغتراب عن الوطن والاغتراب داخل الوطن: أيهما أخطر؟
بقلم : خوام الزرفي.
يُعتبر الاغتراب قضية إنسانية تمس الروح والجسد، سواء كان عن الوطن أو داخله. هل يغدو الإنسان أكثر تأثراً عندما يهاجر من بلده أم عندما يعيش غريباً داخل وطنه؟ الفقر في الوطن غربة، والغنى في الغربة وطن، كما قال الإمام علي (ع) حيث وضع يده على السبب الحقيقي للشعور بالاغتراب وجعلها المقياس الواقعي لهذا الأمر. مقال اخر عكرمة وصفاء السراي.
 |
الاغتراب عن الوطن والاغتراب داخل الوطن: أيهما أخطر؟ |
في صراع جدلي بين الأوساط الثقافية حول الفرق بين الاغتراب عن الوطن هل هو خطير أم الاغتراب داخل الوطن له تأثير وخطورة أكبر. الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن. هذا المقال يسلط الضوء على أبعاد الاغتراب بأنواعه المختلفة وتأثيره على الأفراد والمجتمعات.
الاغتراب عن الوطن: هل هو حتمي؟
لطالما قرأنا عن أدباء المهجر مثل جبران خليل جبران وميخائيل نعيمه وإيليا أبو ماضي، الذين أبدعوا بعد هجرتهم من أوطانهم، رغم أن بلدانهم كانت تُعدّ من أجمل بقاع الأرض. السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يهاجر الإنسان من وطنه؟
-
البحث عن فرص أفضل: الكثيرون يهاجرون سعياً لتحقيق طموحات مهنية وعلمية أو لتحسين ظروفهم المعيشية.
-
الهروب من الأزمات: الحروب والفقر والاضطهاد السياسي تدفع الملايين إلى البحث عن الأمان في أماكن أخرى.
-
الإبداع في الغربة: الأدباء والشعراء غالباً ما يجدون في الغربة مصدر إلهام، حيث يعبّرون عن حنينهم للوطن من خلال كلمات لا تُنسى.
كنا طلاب نقرأ أدب المهجر! أدباء هاجروا مثل جبران وميخائيل نعيمه وإيليا أبو ماضي. من أين هاجروا من اجمل بلد هو لبنان وقد ابدعوا هؤلاء حتى اطلق على جبران نبي الشرق. يوماً سألت الاستاذ؟ أستاذ أن الذي يصاب بالسل (التدرن) يذهب إلى لبنان ليستنشق الهواء النقي. كيف يهجر هؤلاء وطنهم وهو اجمل البلدان؟
فأجاب الأستاذ قائلاً لي بيت من الشعر:-
أول من ناقش الاغتراب وأن كان في داخل الوطن هم فلاسفة ألمانيا هيجل وباخ. جاء كارل ماركس وربط الاغتراب. حسب نظريته المثاليه ~ بالعمل والعامل~ بشكل مبسط كان العامل يبيع ويربح بشكل مباشر.
عندما جاءت الرأسمالية ضاعت عن العامل الفرص المثالية المتكافئة بالرفاهية الاجتماعية اصبح العامل مغترب عن عمله؟ صناعة سياره واحدة. تصنع على شكل أجزاء ويتم تجميعها. منهم من يصنع محرك السيارة ومنهم من يصنع هيكلها ومنهم من يصنع أطاراتها وعجلاتها. كل عامل يتخصص بصناعة جزء معين ولا يعرف عن المنتج الأخر شيء.
الاغتراب داخل الوطن: الوجه الآخر للغربة
هنا ارتبط الاغتراب بعلم الاجتماع. لقد تم تقسيم الاغتراب الى ثلاث أقسام:- الاغتراب الاجتماعي؛ ينقسم المجتمع الى فئات حاكمه ظالمه وهم الأقلية مقابل طبقات مستضعفه وهم الغالبية.
وهنا جاءت فكرة ماركس وهو يدعو للثورة الاشتراكية. والاغتراب السياسي؛ هنا يخضع الفرد لتأثير السلطة.؛ حين يكون الفرد مبرمج مثل الآلة، ومغترب عن نفسه. والاغتراب الاقتصادي؛ ويكون العامل جزء من عمليه الإنتاج.
الاغتراب داخل الوطن أخطر بكثير لأنه يمس الروح بشكل مباشر، حيث يشعر الإنسان بأنه غريب وسط أهله ومجتمعه.
أنواع الاغتراب داخل الوطن
-
الاغتراب الأسري: تنشأ هذه الحالة عندما يفتقر أفراد الأسرة إلى الترابط النفسي والعاطفي، مما يؤدي إلى شعور الأبناء بالعزلة.
-
الاغتراب الاجتماعي: تقسيم المجتمع إلى فئات متسلطة وظالمة مقابل طبقات مستضعفة يؤدي إلى شعور الأغلبية بالظلم والابتعاد عن مجتمعهم.
-
الاغتراب الاقتصادي: العامل الذي لا يملك السيطرة على إنتاجه ولا يرى نتيجة جهده يعاني من اغتراب داخلي، حيث يصبح مجرد ترس في آلة ضخمة.
كيف يكون الاغتراب داخل الوطن؟ يبدأ الاغتراب داخل الوطن بالاغتراب الأسري وهو من اخطر أنواع الاغتراب ويختلف عن الاغتراب. ومن تلك المشاكل الأسرية الخطيرة حين يشعر الابن بالغربة بين أفراد عائلته. يؤكد علماء النفس السبب بذلك عدم ترابط الأسرة وجدانيا ونفسيا نتيجة لأسباب كثيره.
إن ضغط العمل والفقر مرض واهمها أفول هنا. عدم وعي الوالدين بتحقيق الانسجام يجعل الأبناء الى الشعور بالاغتراب وأمراض نفسيه تؤدي الى الانحراف بأشكال مختلفه مع الأسف. أن ما أصاب العراق بحدود قرن وما قبله من حروب وفقر ومرض سلطه قمع إرهاب قتل وكثيره هي المشاكل! اصبح الاغتراب نعيشه ولو أحيانا لا نشعر به.
بين الاغتراب والحنين للوطن
الحنين للوطن هو الشعور الذي يربط الإنسان بجذوره، سواء كان داخل الوطن أو خارجه. هذا الحنين يولّد إبداعاً أدبياً وفنياً كما حدث مع أدباء المهجر. ومع ذلك، يعاني الكثير من المغتربين داخلياً من الشعور بالضياع بسبب الفقر أو القمع السياسي أو الافتقار إلى العدالة الاجتماعية.
أصعب مراحل الاغتراب هو الاغتراب عن الوطن. أدباء المهجر ابدعوا عندما ابتعدوا عن أوطانهم. إن الحنين واللوعة والمعانات خلقت ذلك الإبداع ! الآن كم من عشرات الآلاف بعيدون عن أهلهم. الأجيال القادمة سوف تقرأ للعشرات من إيليا وجبران، ولكن بأسماء عراقيه احمد وعلي ومروان وحميد وغيرهم. سوف يخلق من حنينهم كلمات نثر وشعر وجمل موسيقية لا تنسى.
الشافعي من قبل عدة قرون دعا الى الاغتراب في أبيات كتبها:-
أقول للشافعي رحمك الله؛ زماننا غير زمانك ارض الله قسمت الى أوطان وحدود ودول وكل لها قوانيين تخدم ناسها أين يذهب ابن إم الحضارات. الاغتراب داخل الوطن ضياع ومتاهة في مجهول العاطل عن العمل (والاغتراب)! والفقير والمظلوم في بيته وماله وارضه هو اغتراب. من لا يجد لقمة طعام لا يشعر بوطن يحميه لان الجوع كافر.
أوجاع الأغتراب في الأدب
لكل منا مغترب عن وخارج الوطن(والاغتراب داخل الوطن) مكره أو بحث عن كرامه وعيش رغيد. لكل منا مغتربون داخل بيوتهم غربتهم الحاجة. قفلوا أبوابهم عزة نفس أن التكافل هو الدواء. وطن كله ضيم وقسوه وموت في الحروب والبحار ومنافي الأرض. هل لذنب اقترفناه أو قدر مكتوب أو لفساد مترفونا. أول هوج نفوس تواقه لعمل المعصية.
يقول احدهم وبتصرف:-
كثرة مصائبنا ~وفوك الحمل أجتنا الكرونا ~ أين لنتفت وأي جرح نداوي الغربة أو الفقر والمرض والفساد الذي(حتى) وقت المرض يأكل بهجة الناس وأرواحهم. يقول عريان رحمه الله...
هكذا واقع حال الحال ونختم!!!ما ضاقت بلاد بأهلها، ولكن أخلاق الرجال تضيق. الزمن واحد لا نلومه ولا نعتب عليه عتبنا على انفسنا جميعا! نعيب زماننا والعيب فينا~ كل ذلك بسيط بس يبقى وطن اسمه عراق!!
أه يا هجرة الشتات والقلق والاغتراب~ شاخ الزمان والعراق صبي (كلها تهون يا وطن الأنبياء) وتعود معافى يا بلد العنقاء!! الاغتراب عن الوطن " والاغتراب داخل الوطن.
كيف نواجه الاغتراب؟
-
تعزيز الترابط الأسري: الأسرة هي الحصن الأول ضد الشعور بالاغتراب. يجب على الآباء بناء علاقة قوية مع أبنائهم تقوم على الحب والتفاهم.
-
تحقيق العدالة الاجتماعية: توفير فرص متكافئة في التعليم والعمل يحد من الشعور بالظلم الاجتماعي.
-
دعم المبدعين: على الحكومات والمجتمعات تشجيع المبدعين لمنحهم بيئة خصبة للإبداع داخل أوطانهم.
خاتمة:
سواء كنت مغترباً عن وطنك أو داخله، يبقى الوطن جزءاً لا يتجزأ من هويتك. العراق، مثل غيره من البلدان، عانى كثيراً من ويلات الحروب والفقر، لكن الأمل دائماً موجود في تعافيه. كل ذلك يدفعنا للتساؤل: كيف يمكننا بناء وطن يشعر فيه الجميع بالانتماء؟
لنعد إلى جذورنا، ولنخلق وطناً يحتضن أبناءه، سواء كانوا فيه أو بعيدين عنه.