الاعتداءات الايرانية على العراق" ما قبل حرب 1980
اللواء الطيار الركن قيس ربيع العبيدي.
الاعتداءات الايرانية على العراق ما قبل حرب 1980. في ذكراها التي تجاوزت الواحد والأربعين عاماً يكتب تفاصيلها من كان مشاركاً فيها. من مذكرات اللواء الطيار الركن قيس ربيع العبيدي.
إن ما جاء في هذه الوثيقة التاريخية هي شهادة مهمة من قلب الحدث. شاهد على ما جرى بدقائق الأمور. هذه الوثيقة تكشف ماذا كان يجري. تاريخ مهم ليس الدفاع عن أحد. بل تكتب للتاريخ من أجل لا تزور.
الحرب عندما تعجز السياسية من تحقيق الحلول عبر القنوات الدبلوماسية تكون أخر الحلول الحرب. تبدأ الحرب بالكلام وتنهي الى السلاح . عندما تستنفذ السياسية في فرض الإرادة تأتي الحرب بديلاً عنها أهدافها نزع سلاح الخصم وحرمانه من المقاومة.
وقد وصف الحرب نصر بن سيار وضمنها في أبيات شعر:
أرى تحت الرماد وميض جمر
ويوشك أن
يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تذكى
وإن الحرب مبدؤها
كلام
فإن لم يطفئها عقلاءَ قومٍ
يكون وقودها جثث وهام
أحداث الاعتداءات الايرانية ما قبل الحرب 4 أيلول 1980.
بسم الله الرحمن الرحيم
(فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا ان
الله مع المتقين)
صدق الله العظيم / البقرة 194
إن تاريخ الاعتداءات الايرانية على العراق بصيغها المتعددة (العسكرية - السياسية - الاقتصادية – المدنية ) أخذت تتطور وتتعقد يوما بعد يوم. بعد أن استلم (خميني) مقاليد السلطة في إيران عام (1979).
بعد أن وصل بطائرة نقل مدنية (فرنسية) نزلت في العاصمة الايرانية (طهران) بمساعدة المخابرات الأمريكية. الذي سبق (للخميني) أن عاش بالعراق لمدة (14) عاما. معزز ومكرم في الحوزة العلمية في محافظة النجف. وقد استبشر العراق والشعب العراقي بقدومه خيراً.
أرسلت له رسالة تهنئة بمناسبة إعلان (الجمهورية الإسلامية) من قبل رئيس الجمهورية العراقية الرئيس (أحمد حسن البكر) وهذا نصها:
- (يسعدني بمناسبة إعلان الجمهورية الإسلامية الايرانية أن ابعث باسم العراق حكومة وشعبا وباسمي شخصيا بأصدق التهاني لكم وللشعب الإيراني الجار الصديق متمنين لكم التوفيق. أملين أن يفتح النظام الجمهوري الجديد فرصاً واسعة لخدمة الشعب الإيراني الصديق. وبما يعزز دور إيران لخدمة السلام والعدل في العالم وإقامة أوثق علاقات الصداقة والجيرة بالدول العربية عموما والعراق بشكل خاص والله ولي التوفيق) (احمد حسن البكر - رئيس الجمهورية العراقية 5/4/1979).
- غير أن الرسالة الجوابية (للخميني) كان ردها بأسلوب مختلف بعيدا عن المجاملة ومجافياً لروح حسن الجوار متعمداً الإمعان في دفع علاقات البلدين الجارين عن طريق الجفاء والتدهور وبتهديد ووعيد وختم جوابه بكلام الله سبحانه وتعالى (والسلام على من اتبع الهدى).
- وهي العبارة التي وجهها الرسول الكريم محمد صل الله عليه وسلم لملوك زمانه من (الملل الكافرة).
اخذ الإعلام الإيراني يوجه رسائله لشيعة العراق وقد تزامنت مع (تفجيرات - بغداد-). التي راح ضحيتها عدد من طلاب الجامعة المستنصريه. ومن ثم هوجم موكب المشيعين فتضاعفت الخسائر في صفوف المدنيين.
- كما تم إغراق احد الزوارق العراقية في شط العرب ومنع الملاحة النهرية. بعد ذلك ألغت إيران عملياً المعاهدات والاتفاقيات الدولية كافة والمنعقدة بين (العراق - ايران). أهمها اتفاقية (الجزائر) الموقعة عام (1975) في الجزائر.
- أصافة الى ذلك قيام الطائرات (المقاتلة - المقاتلة هجوم ارضي - السمتيات ) الايرانية بخروقات جوية للأراضي العراقية وبحدود (250) اختراقا.
- ضرب المدن والقرى والقصبات الحدودية التي تبدأ من (شمال - وسط – جنوب) العراق.
- واخراها قيام الطائرات السمتية بإلقاء الأحذية على المخافر العراقية الواقعة على الشريط الحدودي مع العراق.
لقد حذر (العراق ايران) حول الأعمال العدوانية المتكررة إلا انه دون جدوى وركبت إيران راسها وتمادت في طغيانها دون الاهتمام بما سيكون عواقبها.
وعلى الرغم من البلاغات ومذكرات الاحتجاج المتكررة من قبل العراق الى (الأمم المتحدة - مجلس الأمن الدولي - الجامعة العربية) عن طريق (وزارة الخارجية العراقية).
إلا أن العراق احس بنية ايران وخطرها القائم مما لا يقبل الشك وما تنطوي عليه تصريحات (قادة) ايران من تهديد ووعيد مبطن.
وخاصة عندما قامت (الطائرات المقاتلة هجوم ارضي والمدفعية الثقيلة) الايرانية بضرب المدن والقصبات والمخافر الحدودية الأمنة (خانقين - كيلان غرب - سيف سعد – زرباطية – بدره وجصان) بتاريخ (4 أيلول 1980) وما تلاها من الأيام المقبلة .
إلا إن العراق لم يبق مكتوف الأيدي اتجاه هذه الضربات العدوانية إذ لديه قوة جوية تمتلك طائرات (مقاتلة - مقاتلة هجوم ارضي – قاصفات – سمتيات). وقيادة تشكيلات برية تتألف من (فيالق – فرق – ألوية – أفواج) مسلحة. بكافة الأسلحة من (دبابات - مدرعات - صواريخ – مدفعية ) وقوة (بحرية) مسلحة ( زوارق – مدفعية ساحلية – صواريخ ). وان هذه القوات وقادتها وصنوفها (الثلاثة) مدربة تدريبا جيدا ولها الخبرة في حروب سابقة.
كنا نترقب الأحداث ونتصل بزملائنا الطيارين في (قاعدة الحرية الجوية - كركوك) على الدوام والاستفسار عنهم وعن تطور الأحداث في القاطع (الشمالي والأوسط).
- كانت فرحتنا كبيرة ولا تتسع بعد سماعنا (إسقاط) احدى الطائرات المقاتلة الايرانية نوع (F-5) في القاطع الأوسط قرب مدينة (مندلي) بتاريخ (8 أيلول 1980). بقيادة (الملازم الطيار علي حسين رضا لشكري ) والذي تم اسره. (لم يرجع من الأسر لحين إيقاف الحرب وتبادل الأسرى عام 1988 إذ تم تبديله مقابل عدد من الجنود العراقيين).
- عندما اعترضتها احدى طائراتنا المقاتلة (ميك -21) بقيادة (الرائد الطيار كمال عبد الستار البرزنجي - آمر السرب /9) ورقم (2) الملازم الطيار محمد صادق الجبوري. الذي اقلعا بطائرتهما من (قاعدة الرشيد الجوية – بغداد) والذي اصبح قائدا للقوة الجوية العراقية بعد الاحتلال الأمريكي عام (2003).
- في يوم الأحد المصادف (14أيلول 1980) سمعنا (إسقاط) احدى طائراتنا السوخوي-22 بقيادة (الرائد الطيار نوبار عبد الحميد الحمداني- آمر السرب /44). المكلف بواجب (استطلاع مسلح ورصد المدفعية الثقيلة 175 ملم ) الايرانية التي كانت تقصف المدن والقرى الحدودية في قاطع (الأوسط). والذي عمل (ثلاث) دورانات لغرض مشاهدة مواقع المدفعية إلا إن أسلحة الدفاع الجوي الميداني للقطعات البرية الايرانية استطاعت من إسقاط طائرته.
في نهاية شهر (أب / 1980) نقل (العقيد الطيار سعد هاشم الاعظمي - آمر قاعدة الوحدة الجوية - الشعيبة) الى (مديرية الحركات الجوية – مدير شعبة) وعين بهذا المنصب (العقيد الطيار الركن سالم سلطان عبد الله البصو).
وفي الوقت نقل (الرائـد الطيار فيصل حبو سرحان - آمر السرب/ 49 المسلح بطائرات (الميك – 23بي) من (قاعدة علي الجوية – الناصرية) إلى (قاعدة الوحدة الجوية - آمر جناح الطيران).
في يوم الجمعة المصادف (19 أيلول 1980) إجريت أول ممارسة طيران تدريبية لقطع مسافات بعيدة المدى في (قاعدة الوحدة الجوية - السرب/109) تحسبا لتنفيذ واجبات قتالية بالعمق الإيراني لقطع مسافة وبحدود (400) كم.
حملت طائرات السوخوي -22 المشاركة بهذا الواجب بحمولة (ْ800x4) كغم او(2x1150) كغم خزانات وقود إضافية. لتنفيذ ضربة جوية تشبيهية على (مطار) النجف، بقيادة (الرائد الطيار فيصل حبو سرحان- آمر جناح الطيران).
اشتركت في هذه الضربة (12) طائرة سوخوي -22، نفذت الضربة الجوية التشبيهية على (مطار) النجف، بكل دقة وإتقان ورجعت الطائرات بعد تنفيذ الواجب ونزلت في (قاعدة الوحدة الجوية – الشعيبة) بسلام .
توالت واجبات الاستطلاع الجوي البصري بطائرات (السوخوي -22) من قبل السرب/109 للمنطقة القريبة من مدينة ( الأحواز) والطريق المؤدي الى مدينة (المحمرة) وقد شوهدت أرتال من الدبابات والمدرعات والمدافع الايرانية في تلك المنطقة.
كان يوم الأحد المصادف (21 أيلول 1980) يوماً غير اعتيادياً في قاعدتنا وكنا نراقب تطور الأحداث من كثب ( لآمر القاعدة - آمر جناح الطيران - آمر السرب - المهندسين - الفنين – المراتب - الجناح الفني ).
لقد جرى الآمر بشكل سري تام. إن مثل هذه العلامات لم تدم طويلا بل لم تستغرق من الوقت اكثر من (24) ساعة.
فجاء الجواب إلينا نحن طيارين السرب/ 109 في يوم الاثنين المصادف (22 أيلول 1980) الضربة الجوية الشاملة. انتهى الجزء (1) . نتابع الجزء الثاني في يوم الضربة الجوية الشاملة).
الضربة الجوية الشاملة والرد العراقي من جميع قواعد العراق.
ملاحظة
كشف الطيار الإيراني الهارب نعمتي الذي هرب قبل بداية الحرب بواسطة قارب بعد أن دفع صاحب القارب وسط شط العرب ولاذ بنفسه نحو الحدود العراقية المائية.
وقد تلقى آمر سرب 109 كتاب من مديرية الاستخبارات العسكرية العامة بالتحقيق مع نعمتي ضمن لجنة من منظومة الاستخبارات المنطقة الجنوبية.
وقد ذكر نعمتي محذراً أن النظام الإيراني يقوم بالاستحضارات وتجهيز وتسليح الطائرات استعداداً لضرب العراق في أي لحظة. وقال عليكم الاستعداد والحذر من ذلك الهجوم .
وقد تلقى نعمتي تدريبه على الطيران في الولايات المتحدة الأمريكية. كان يستهزأ بنظام ملالي طهران. وهذا دليل العداء الذي يضمره النظام الإيراني للعراق.
إن تاريخ إسقاط الطائرة الايرانية المقاتلة (F-5) من قبل الرائد الطيار كمال عبد الستار ورقم (2) الملازم الطيار محمد صادق الجبوري بتاريخ (8أيلول 1980).
هذه المعلومة وصلتني من العميد الطيار الركن محمد طارق حميد عمر والذي كان في الجو منفذا لأحدى الواجبات التصويرية أثناء هذه الأيام فشكرا جزيلا له.
كما اكدها قائد طائرة (الميك -21) مشكوراً بعد الاتصال به شخصيا وكذلك رقم (2) بعد الاتصال معه شخصيا وقال للمرة الأولى أقوم بهذا الواجب مع آمر السرب كرقم (2) وهو الواجب الأول بالنسبة لي .