الهجوم الجوي الأخير" من مذكرات الحرب العراقية الإيرانية.
من مذكرات الحرب العراقية الإيرانية الهجوم الجوي التعبوي ألأخير. يرويها كاتبها الطيار العراقي الذي نفذ هذه الضربة الجوية التعبوية مع زملاءه. قبل أيام من وقف أطلاق النار ونهاية الحرب العراقية الإيرانية.
تأتي أهمية مذكرات هذه الضربة الجوية، أنها كانت أخر ضربة جوية تعبوية ختمت بها الحرب العراقية الإيرانية. التي طالت مدتها لثمانية سنوات؛ قد لا يتم الاهتمام بها لكنها تؤرخ نتيجة الحرب ونهايتها بانتصار القوات العراقية على القوات الإيرانية.
كانت الحرب العراقية الإيرانية حرب سجال في منطقة الخليج؛ أطلقت عليها تسميات عديدة، في العراق أطلقت على الحرب العراقية الإيرانية, تسمية القادسية الثانية تخليداً لانتصار العرب المسلمين على الامبراطورية الفارسية.
أما في إيران فأطلقت على الحرب العراقية الإيرانية؛ تسمية دينية هي الدفاع المقدس. وأطلقت الصحف الغربية على الحرب العراقية الإيرانية. حرب الخليج آلأولى وما تتابع بعدها من حروب ولازالت صفحات حروب الخليج مستمرة.
- اندلعت الحرب بين العراق وإيران في أطول حرب وبشكل رسمي في 1980-9-22 عند الساعة الثانية عشر منتصف النهار، فكانت ساعة الصفر عند عبور الحدود الإيرانية بالضربة الجوية الشاملة. التي نفذها صقور العراق الشجعان.
- لقد سبقت الحرب تحرشات من الجانب الايراني حيث قامت القوات الإيرانية باستخدام أسلحة المدفعية وتوجيه عدة ضربات على المخافر الحدودية العراقية المشتركة وبعدها قصف المناطق الحيوية العراقية المدنية الحدودية.
- تصعيد خطير تتعرض له المدن العراقية قبل بداية الحرب في 1980-9-4 وهذا جزء من السياسات العدائية الايرانية في قصف مناطق حدودية شملت كل من خانقين، البصرة ، مندلي، زرباطية وكل هذه الاعتداءات موثقة بكتابه رسمية لدى الامم المتحدة.
- كانت بداية الحرب بين إيران و العراق لربما معدة سلفاً من قبل أن يستلم الخميني سلطة نظام إيران في طهران كما تبدو لنا الامور بشكل واضح هذا اليوم خفايا الحرب العراقية حرب الخليج الاولى.
نعود الى مذكرات العام 1988 بعد مرور ثماني سنوات على الحرب لنعقد مقارنة بين أحداث شهدت أطول معركة بطولة وبسالة القوة الجوية والبرية والبحرية العراقية ودراسة خفايا الحروب تدرس في المعاهد العسكرية.
عملية أخر ضربة جوية تعبوية لمنشآت إيرانية أطلق عليها اسم الهجوم ألأخير.
يسرد الطيار البطل من مذكراته (مذكرات مقاتل) عن صباح يوم 1988-7-31 قائلاً:
حطت على مدرج مطار قاعدة ألإمام علي الجوية. (وهي من القواعد المهمة في الحرب وتقع بالقرب من مدينة الناصرية جنوب العراق) طائرة نقل صغيرة تابعة للسرب الخاص.
ترجل من الطائرة العميد الطيار الركن محمد نبيل من مديرية الحركات الجوية وهو يحمل في يده حقيبة يد (تسمى دبلوماسيه) يبدو أنه يحمل معه كتاب تنفيذ مهمة ضربة جوية وكان في استقباله أمر القاعدة .
بعد ذلك توجه آمر القاعدة والضيف الى مقر القاعدة، تم استدعاء آمري ألأسراب والطياريين من قادة التشكيلات الى غرفة الحركات (الملجأ اليوغسلافي المحصن).
وقفنا أمام منضدة التخطيط وكانت هنالك خارطة موضوعة على تلك المنضدة وقد أعدها ضابط ركن الملاحة الجوية المقدم الملاح البطل ... احد أعضاء غرفة حركات القاعدة حال أكتمال الجميع .
وصل آمر القاعدة ومعه موفد الحركات الجوية العميد الطيار الركن محمد نبيل بعد أن تبادلنا التحية والسلام إذ كانت من التقاليد العسكرية المتعارفة.
نظر العميد الطيار الركن محمد نبيل، لاحظت تلك الحركة في العينين كأني أرى ذلك ألإحساس للمرة الأولى، أشار العميد الطيار الركن محمد نبيل قائلاً : هذا آخر واجب في الحرب العراقية الايرانية.
سمعنا تلك الكلمات الأولى قبل بداية شرح واجب الضربة الجوية ينظر أحدنا الى الآخر مستبشرين خيراً والفرحة تكسي الوجوة لحظة أن تكون هذه الضربة الجوية فيصل الحرب العراقية الايرانية.
تصوير المشهد في تلك اللحظات لا يمكن للكلمات أن تحتويها كان معي في تلك اللحظة مجموعة من الطيارين من قادة التشكيلات من الأسراب الهجومية (سرب 49 MIG 23 BN ) و(السرب الخامس Sukhoi 22 m 3) ومعهم مفارز ملحقة من أسراب اخرى.
بعد لحظات من الموقف الغير متوقع بدأ العميد الطيار الركن محمد نبيل بشرح مهمة تنفيذ ضربة جوية داخل العمق الإيراني في ضرب ومهاجمة مجمع البتروكيمياويات في ميناء مدينة بندر خميني.
معاينة الخرائط وتحديد المناطق الخطرة وسياقات الواجب.
بعد معاينة الخريطة وتحديد وسائل دفاعية للعدو ونحن على علم بتجنب تلك الدفاعات الجوية ولنا تجربة في السابق بسبب تنفيذ الواجبات طول خدمتنا في تلك "الحرب إلى هذه اللحظة التي نحن فيها.
- تنفيذ الواجب يكون بقوة 40 طائرة هجوم أرضي. مع تحميل الطائرات بأقصى حمولة قنابر أنفجار عالي زنة 250 كغم .
- أسلوب الهجوم يتم بالانقضاض من ارتفاع 3500 متر ﺇﻟﻰ ارتفاع 2500 متر وأن ارتفاع الدخول 4000 متر.
- خط رحلة الضربة الجوية تبدأ من قاعدة الإقلاع قاعدة الإمام علي الحوية باتجاه الجنوب الغربي نحو الخليج والوصول الى منصة ميناء البكر ومن ثم الاتجاه شرقاً الى نقطة وهمية داخل الخليج.
- بعد ذلك الطيران والدوران نحو الشمال وباتجاه الساحل الإيراني ومن ثم الهجوم والانقضاض على الهدف ويكون اتجاه الهجوم من الشرق الى الغرب، لقد كان خط الرحلة نسبياً والطيران داخل الحدود الايرانية طويل جداً.
- كانت هذه الضربة الجوية حالة مختلفة من حيث قوة الهجوم بعدد الطائرات المستخدمة في الهجوم الجوي وكذلك إننا لم نهاجم هدف بهذا الحجم الكبير وباتجاه هجوم من الخلف ويكون الخروج من الهجوم باتجاه الوطن.
كانت التشكيلات تحتوي على طائرات مختلطة بين طائرات MIG 23 BN وطائرات Sukhoi 22 m 3 وهي تعبئة غير معتادة خصوصاً عند تبادل التغطية البصرية. حين النظر لطائرة لم تعتد رؤيتها في الجو.
ماهو سبب تنوع الطائرات وهذا الأسلوب الجديد؟
لقد فرضت تلك التكتيكات والتعبئة إلى ضربة جوية في تنوع التشكيل من أجل الحماية المتبادلة لان طائرات السوخوي مزودة بأطلاقات التشويش الحرارية ضد الصواريخ الإيرانية.
بعد أن تم الإيجار وتوزيع الأهداف على التشكيلات الفرعية بحيث يكون لكل هدف ضربة جوية خاصة به على أن تكون ضربة دقيقة ومركزة وهذا ما جاء في مذكرات الطيار وساعة تنفيذ الهجوم.
طلب آمر جناح الطيران العميد الطيار الركن في حينها أن يشارك في ضربة الانتصار ويكون قائداً لذلك التشكيل حرصاً وبطولة منه كما يعرف العراقي بالغيرة العراقية.
لكن رفض طلبه في قيادة التشكيل من قبل القيادة حفاظاً على سلامته لكونه يحمل رتبة رفيعة.
تنفيذ أخر ضربة جوية في الحرب العراقة الايرانية.
كانت الحالة الجوية قبل ساعة التنفيذ حسب تقرير مركز الأنواء الجوية للقاعدة (الجو صحواً مدى الرؤيا 10كم سرعة الريح 340/ 5 عقدة درجة الحرارة والضغط الجوي).
علماً أن درجة الحرارة بشكل عام عالية في شهر تموز وفي الناصرية بالخصوص تكون الحرارة لاهبة ومدينة الناصرية تقع على الخط الحراري وتعد من المناطق الحارة في العالم .
بعد أن تم إكمال الإيجاز توجهنا نحو ملاجئ الطائرات وكان تسلسلي في التشكيل رقم 16 وطائرتي MIG 23 BN ورقم 17 من السرب الخامس طائرته Sukhoi 22 m 3 الطيار وهو أحد صقورنا الأبطال الذين يتميزون بشجاعة الأداء .
تم أكمال تشغيل محارك الطائرات وتأمين الفحص الراديوي بين التشكيلات فيما بعضها وكذلك تامين الاتصال بالسيطرة الجوية تحتاج الى التنسيق والدقة العالية في الاستعداد للواجب.
بدأت التشكيلات بالتوجه الى طرق الدرج بانسيابية رائعة وبتنسيق عالي ودقيق وتم استخدام كلا المدرجين لإقلاع الطائرات من أجل عدم فقدان للوقت وانتظار دورهم بالإقلاع.
أقلعت التشكيلات وتجمعت بمنطقة منتخبة والتوجه الى ميناء البكر النقطة الأولى للهجوم والدوران باتجاه النقطة الوهمية في الخليج.
بدأت طائراتنا بعد عبورنا مياة الخليج ووصولنا لأخر نقطة فوق مياة الخليج العربي والدوران إلى الشمال باتجاه السواحل الايرانية استعداد لتنفيذ ضربة جوية ناجحة.
في هذه اللحظات جاء في بالي لو أن الطائرات الايرانية تلاحقنا؟
الذي جعلني افكر في هذا السؤال تذكرت واجب سابق 18-7 - 1988 حين سمعنا نداء من احد طياري Mirage F1 بمشاهدة طائرات معادية فوق مياه الخليج. والاشتباك معها وفقد احد اعضاء التشكيل الذي قد هاجم (مفاعل بوشهر). كان الفقيد النقيب الطيار محمود حميد العاني.
بدأت طائراتنا بعد عبورنا مياه الخليج والدوران الى نقطة الدخول للهجوم مع أعطائي نداء باتخاذ وضعية الهجوم والتأكد مرة أخرى من فتح مفتاح الأسلحة switchs on واتخاذ خط الهجوم.
كان المنظر من الجو آنذاك يملؤك حماساً فالهدف تلتهمه الحرائق بفعل الضربات لأفراد التشكيل التي تسبقنا، كان الدخان يتصاعد من الأهداف بكثافة.
تقدمنا نحو الهدف المحدد لنا حسب الخطة المعدة مسبقاً وهو ساحة الكبريت عند الدخول للهجوم على الهدف كانت سحابة من الدخان تغطي الهدف وبالكاد تمكنت من تمييز الهدف.
قمت بإصدار نداء الأمر للطيار المرافق لي رقم 17والذي هو على يميني بالانقضاض والهجوم من وضعية Line breast وتم التسديد وإلقاء القنابل من أرتفاع 2000 متر وبزاوية هجوم 20 درجة ولاحظت أصابة الهدف أصابة دقيقة.
بعد أتمام المهمة بنجاح تم القيام بعمل مناورة الخروج من الهجوم بسرعة كي لا نفقد من أرتفاعنا. وبسبب أختلاف نوع الطائرتين تأخرت طائرة زميلي Sukhoi 22 m 3 عن طائرتي MIG 23 BN وكان ارتفاعها أقل من ارتفاع طائرتي؟
أن السبب في أن تكون طائرة Sukhoi 22 m 4 أقل أرتفاعاً من طائرتي MIG 23 BN. لان جناحها كتفي لذلك يكون تسارعها أعلى والارتفاع المفقود عند الخروج قليل. وهذا هو فيصل الفرق بين الطائرتين.
وهو أمر كنت قد أوجزت به الطيار المرافق لي بالتشكيل wing man قبل الإقلاع؛ لا تزال في ذاكرتي حين طلب الطيار مني بعد الإيجاز أن أقوم بتحويل جنح طائرتي الى 72 درجة الى الخلف لكي يراه في الجو.
حيث قال لي سيدي (بشرفك رجع جنح 72 خلي اشكل عليك قريب أريد أشوفه). وقد نفذت رغبته بكل امتنان. خرجنا من فوق الهدف جميعاً سالمين في تلك الحرب العراقية الإيرانية لنكون شهود على نهايتها.
العودة بعد أنتهاء الواجب .
ونحن في طريق العودة حين غادرنا المياة الإقليمية الإيرانية. تجمعت الطائرات بتشكيلات كأنها زفة عرس وإطلاقات التشويش الحرارية (flair) من طائرة Sukhoi 22 m 3 تملأ الجو مشاعل مضيئة كأنها أحتفال أو كرنفال.
كان أبطال طائرة Sukhoi 22 m 4 التي تشاركنا بالتشكيل الكبير يطلقون تلك المشاعل (تحت ذريعة أنت وين لا استطيع تميزك فيرد الآخر سوف أطلق فلير كي تشاهدني) وبعد نهاية ضربة جوية موجعة للمنشأة الإيرانية.
وصلت التشكيلات الى المياة الإقليمية العراقية ودخلنا الأراضي الوطنية العراقية، بدأ الجو فوق القاعدة بالسوء ولكن تمكنت الطائرات من النزول بسلام لكي تسجل أخر ضربة جوية تعبوية في الحرب العراقية الإيرانية.
لقد طويت صفحة من صفحات مسيرتنا في الحرب العراقية الإيرانية بعد جهد كبير وكم هائل من المشاركات في الحرب العراقية الإيرانية كانت لكل ضربة جوية قصة تجسد الغيرة والشجاعة العراقية وبسالة القوات الجوية العراقية.
لقد تم تكريم الطيارين العراقين في الحرب العراقية من قبل الرئيس العراقي صدام حسين عن دورهم في الحرب العراقية الإيرانية.
تشرفنا أننا تركنا أثارنا تروي حكايا الاقتدار والبطولة التي تميز بها صقور قواتنا الجوية العراقية في الحرب. ولا ننسى شهدائنا بالرحمة والغفران.