تفاصيل مسافات حيث الالاف من الذكريات. تتغير الألوان في حياتنا باستمرار، لكننا لا نستغرق الوقت المناسب لتقدير التفاصيل الدقيقة. اليوم، أريد أن أتحدث عن تفاصيل سوق شهربان الصغيرة التي لاتغادر الذاكرة. يمكن أنها تمثل عن وجود مشاعر أو شعور، ويمكن أن ينظر إليها بشكل محايد. من حيث المسافة وتفاصيل لم يتبقى منها سوى قليل من الذكريات.
كيف تنشئ مسافة الالاف من الذكريات حيث تجدها في تفاصيل؟
قبل اكثر من ثلاثة اسابيع حين تم نشر موضوع فضوة الخبز ترك احد الاصدقاء. واسمه السيد نور البدي هذا التعليق .. " يا سيد ابن شهربان ، سؤال لطالما كنت اتشوق لأرى اجابتك عليه؛ ماذا تفعل لو جئت لشهربان او عاد الزمان بك للوراء من حيث إظهار مشاعرك ، او آن كنت مسؤول ماذا تفعل لشهربان؟
سؤال مفاجي لي! فاجبته فورا وبدون تفكير و كان هذا ردي " اخي العزيز نور البدي ... جوابي لك كما هو في عقلي. { لو عدت لشهربان و كنت انا مسؤول عنها ... سانام على الرصيف الى ان اجعل منها جنة على الارض.. ساجعل زيارتها امنية اي انسان... ساحولها الى حكاية ينقلها التاريخ كما هي حكاية الف ليلة وليلة } " . تعليق السيد نور البدي وردي علية موجود هناك لمن يريد التاكد.
لقد كان سؤال عفوي فحصل مني على رد تلقائي ~ لكن ~ بعد الرد بقى هذا السؤال ولعدة ايام يطاردني في نهاري حين اعمل وفي ليلي حين انام. فعلا لو حصل ذلك ماذا سافعل ومن أين سابدأ ؟ ..
هل ابدأ من نهر الشاخة ام ابدأ من السوق و المولات المتطورة ؟ هل سابدأ من الحدائق والمتزهات ومدينة الالعاب ام ابدأ من الملاعب والصالات الرياضية والنوادي الاجتماعية؟
أم هل سابدأ من المستشفيات العامة والمستوصفات والعيادات العلاجية المتخصصة والمصحات النفسية ودور النقاهة ودور خدمة المواطنين كبار السن. ام ابدأ من اثيراتي ومنتجعاتي الازلية ومحطات طفولتي ~ محلة الحرية وسوق شهربان القديم وحدائق الزعيم ومحطة القطار والمكتبة العامة والمقام وتل اليهود؟
هل سابدأ من الدرابين و الشوارع والجسور والمجاري.. ام ابدأ من رياض الاطفال والمدارس و وسائط النقل العام ؟
تفاصيل سوق شهربان الصغيرة مسافات لا تغادرها الالاف الذكريات.
فكرت كثيراً وخططت كثيرا وسهرت كثيرا وتعبت كثيرا في أحلام ليل واحلام يقضه.. فاقتنعت باني لو رجعت الى شهربان وانا مسؤول عنها ~ كما تخيل نور البدي. ستكون خطوتي الاولى:
- هي الانسان المتعب نفسياً اصلاح الانسان قبل اصلاح المكان.
- ستكون تضميد الجروح ولحم الكسور الانسانية لمجتمع شهربان المتعب.
- اعادة قيم زمن شهربان الجميل وعاداته واعرافه.
ستكون اصلاح الخلل والعوق المأساوي الذي حصل لمجتمع شهربان .. ستكون اصلاح النفوس والجيرة والمصاهرة اعادة المهجرين واعادة الاملاك لاصحابها وانهاء اعمال الثأر والفصول العشائرية.
ليس بغض النظر عنها انما اكمالها والانتهاء منها تماما والبدأ من السطر الاول لمجتمع متحظر يحكمة القانون العادل الصارم كما في سائر دول العالم. سيكون بناء الانسان الشهرباني المتعافي هو فعلي الاول الذي لايقبل التاجيل.
ليقيني بان الانسان الذي لايشعر بحيف او ظيم.. الانسان المقتنع المتكافئ في الفرص في مجتمع خالي من الطبقات او الفئات المتسلطة سيكون انسان خلاق.. لقناعتي المطلقة بان عقلية وذكاء وطموح وقدرة الانسان الشهرباني غير المهمش او المظلوم.
احلام ابن شهربان في بناء الانسان.
لا تقل أبداً عن مثيلاتها لدى الالماني او الياباني ... ومادام الانسان الالماني اعاد برلين ~ التي دمرتها قنابل الحلفاء في العام ١٩٤٥ ~ لتكون قبلة السواح.. ومادام الانسان الياباني الذي حول طوكيو وهيروشيما و ناكازاكي~ التي دمرتها قنابل امريكا في الحرب العالمية الثانية ~ لتكون مدن خرافية تحاكي الخيال..
فان الانسان الشهرباني المكافح لقادر ان يحول مدينة شهربان بوضعها الحالي الى واحدة من مدن الاحلام الى مدينة ليلة وليلة... الى غرناطة الاندلس او سمرقند الشرق. أحبتي وأصدقائي اهل شهربان كما تقبلتم منشوراتي الشهربانية أرجوكم ان تمرروا حلمي الشهرباني هذا دون ان تتهموني بالجنون .. لقد دمروا واحد من اجمل بلدان العالم فياويلهم ان وصلوا الى احلامنا ولوثوها..
سأكمل معكم خطواتي وسأبدأ حيث انتهيت في المنشور السابق من الفلكة الوسطى.. تذكروا احبتي بان هذا الوصف لعقود الاربعينات و الخمسينات و الستينات من القرن الماضي.. اغلبكم يعرف بحصول تغيرات في اصحاب الاملاك والماجرين في اعوام السبعينات وما بعدها قبل ان يدمر هذا السوق الجميل من جراء حروب العراق وطائفياته. وحسب مزاجك سيكون التمتع بالتفاصيل هنا.
ان كان سوق شهربان لا يعنيك بشئ فان كلامي اللاحق هو مجرد سرد ممل من شخص مهوس لمحلات ودكاكين مهدمة في سوق متروك في مدينة هجرها اهلها.. وان كنت مثلي مغرماً فيه حد الهيام فسوف تراه مكان ملون خرافي يشبه الجنة وتقف عند كل خطوة.. وستجد نفسك تكابر كي لا تبكي وتحس بشوق ممزوج بالالم لذلك المكان وتشعر بلذه فيها حزن على ذلك الزمان وتحن بالم مرير لتلك الوجوه التي كانت فيه.
مع الآلاف من الذكريات التي لا يمكننا تذكر التفاصيل.
سترى المنشور فيه تفاصيل مسافات حيث تكون الالاف الذكريات مثل فلم ملون في اجمل بقعة على الارض... حين تكون الفلكة الوسطى خلفك فان امامك على اليمين ستكون علوة حبوب التي تحولت الى مطعم سراب (ربما اكبر مطعم في شهربان).
وعلى اليسار تقع مقهى السيد رحمن سفر الخرافية . المحلات والدكاكين التي تقع على جهة مطعم سراب هي تقريباً كالاتي:
هنالك محل كماليات المرحوم شاكر يليه محل السيد مسلم غيدان الحياصي لبيع التبغ ( هل مازلتم تذكرون التتن و جكاير المزبن !!! ).
ومحل السيد داود سلمان لبيع التبغ ايضا .. محل المرحوميين عبد اللطيف المطلك ومحمد المطلك لبيع الشاي والسكر والمنظفات في الاربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي. بعدها تحول المحل لبيع الدراجات والساعات والراديوات والطباخات النفطيه.
دكان السيد محمد درويش عبد العطافي (عطارية) .. هنا ياخذك فرع صغير ( ختلة) يتصل بفرع مثلة ياتي من يمين مطعم سراب (قد شرحت تفاصيلة في المنشور السابق). في هذا الفرع يقع مطعم المرحوم محمد كبجي ( الكبه والتشريب المميز وكان طباخا ماهرا جدا ونظيف جدا ).
دكان السيد ارميض المهداوي (عطاريه).. يليه دكان السيد حسن حلاق.. ثم محلين لتصليح وصبغ الاحذيه احدهم للمرحوم حسين رحمن (ابا علي) ربما اغلبكم يتذكر المصاطب المرتفعة في محلات صبغ الاحذية والشباب الانيق جالسين بتراصف عليها (طابور ) والاحذية تلمع..
ربما تتذكرون ان اروع ما كان يميز اهل شهربان الزمن الجميل هو اناقتهم ومنها الاحذية التي تلمع ... ان صبغ الاحذية وتلميعها كانت احد عادات اهل زمن شهربان الجميل (عيب حذائك متسخ حتى وان كان الجو ممطر والشارع طين ).
واعرف عائلة شهربانية اصيلة رفضت شاب تقدم لخطبة احد بناتها لان حذائه وسخ" يعني حذائه ما مصبوغ! ~ اشنون حظ !! ".. بسطاء وفقراء لكن للاناقة شروطها ..ملابسهم مثل قلوبهم نظيفه .. يالهم من بشر راقي لن بتكرر !
محلات شهربان من أجل أن لايصيبنا النسيان.
تلك تفاصيل محلات شهربان بل مسافات حيث فيها الالاف الذكريات من اجل أن لايصيبنا النسيان. بعدهم محل للمرحوم ناجي لبيع قطع غيار للسيارات ومن ثم خان المرحوم صالح فاضل امين (ساتكلم عنه عندما نصل الى خان هوبي على الجهة الثانية من السوق).
يليه محل عطاريه ثم محل الخياط المرحوم احمد الخياط (وولده الانيق ستار) ولقبهم بيت الخانقلي لانحدارهم من قضاء خانقين. كنت اراهم في سوق شهربان واشد مالفت انتبهاهي بهم هي اناقتهم.. تصور خياط مكافح بسيط في سوق شهربان يردتي دائما بدلة وربطة عنق في محل خياطة.
لقد استخدمتهم في عدة محاورات كدليل على اناقة اجيال شهربان الزمن الجميل.. ودائما اقول لمن اجادلهم ان كان الخياط البسيط في سوق شهربان هذه اناقته. فكيف اذن ستكون اناقة المعلم والمدرس والموظف ( صوره مرفقه) ..
يليهم محل المرحوم حسين خناك لتصليح حاجات المطبخ. ثم مقهى للمرحوم محمود ججو وفوقها فندق. ثم محل المرحوم لطيف العزي لبيع مكائن الخياطه. يليه دكان للمرحوم مهدي محمود الخالدي ( شقيق الاستاذ مجيد محمود مدير مدرسة المقداديه الابتدائية لسنبن عديده ).
كيف تنشئ مسافات فيها الالاف من الذكريات؟
تلك هي مسافات حيث فيها الالاف من الذكريات بل هي تفاصيل تراث شهربان. بعده يقع محل المرحوم ملا خليل حمادي الجبوري ~ (هذا الشيخ الجبوري سكن لفتره من الزمن في البيت المجاور لجامع ال عجاج قرب دور الضباط وكنت اراه صباح كل يوم وانا اراجع دروسي مشيا على شارع محلة الحرية - الدور وهو ذاهب الى محله في سوق... انه و بدون مبالغه واحد من أأنق من لبس اللباس العربي.. صايه وجاكيت والعقال مرتب جدا واللباس العالربي لايق عليه ~ لذلك مازلت اتذكره الى الان) ..
بعده مكينة طحين للمرحوم وهاب عجاج .. ثم خان المرحوم اسماعيل عبود .. جوار هذا الخان وعلى ركن الدربونه التي تتتجه من السوق الى محلة الحداحده ان تذكرون كانت هناك علوة لصاحبها المرحوم حميد مهدي ..
وعرفت بانها كانت مكان لاحاديث اصحاب العلاوي بكل مايخص انتاج وتسويق المحاصيل الزراعية الوارده من ريف شهربان الجميل. بعد وفاة المرحوم حميد مهدي تم تاجيرها من قبل السيدين سلمان الكريم وابو عبد العظيم كعلوه للمحاصيل الحقليه ولبيع جبن العرب ومنتجات الالبان.
يليهم مكينة طحين للمرحوم ابا نجم وبجانبها السينما ثم خان المرحوم اسماعيل عبود الثاني .. ثم مدخل شارع المحطه.. واتذكر وفي فترات مختلفة كان هناك محل المرحوم خلف الحمود للمعدات. ودكان المرحوم عبد الرحمن الاوتوجي عند مدخل كراج بغداد القديم المقابل للفلكه الاخيره. حيث تقاطع الرماديه وشارع الامام سافر المؤدي الى محطة القطار.. ان المالك للعقارات من اول محل الى خان عبود هو للمرحوم توفيق سلطان العجاج... بينما المالك للعقارات من الخان الى فلكة الرمادية هو المرحوم اسماعيل عبود.
نعود للجهة المقابلة كي لايكون هنالك شعور بالنسيان.
نعود للجهه المقابله كي لايكون هنالك شعور بالنسيان أو نغفل تفاصيل مسافات حيث هنالك الالاف الذكريات . بعد مقهى السيد رحمن سفر كان هناك محل حلاقة. ثم مقهى السيد جاسم يبه والتي تحولت فيما بعد الى محمل حلويات لصاحبه السيد صاحب حياوي.
يليه مدخل اشهر خانات شهربان ... أبناء شهربان من اجيال الخمسينات وما بعدها حتماً يتذكرون اثنان من الخانات المشهوره في مدينة شهربان .. وهما خان هوبي ( السيد الحاج عبد الوهاب امين) على يسار شارع السوق. وخان صالح (الحاج صالح فاضل امين) على يمينه وربما أحدهما مازال موجود او مازالت اثاره ماثله الى اليوم.
لقد قادني فضول الاطفال ونزقهم الى الدخول الى هاذين الخانين للتفرج على الناس وبضاعتهم وعلى عمليات البيع والشراء .. فمنذُ الصباح الباكر يتقادم اصحاب الفواكه والخضروات من كل جهات مدينة شهربان. مِحملين بضاعاتهم على الخيول والحمير. وفي سيارات البيك اب او على سطوح باصات الخشب.
بضائعهم هي مالذ وطاب من فاكهة وخضراوات بساتين ومزارع القرى المحيطه بشهربان وجهتهم المقصوده هي خان هوبي او خان صالح. وكل واحدا منهم يختار بقعه من ارضية الخان ويفرش (يبسط) ويعرض بضاعته ويقف. اي يجلس جنبها بانتظار ملك المزاد (هوبي .. صالح ) لتسويق وبيع بضاعته بسرعه.
للذهاب لتناول الفطور ( الريوك ) في مطعم كباب السيد رحمن عوزي او كبة السيد محمد الكبجي او غيرها من مطاعم صباح شهربان. وبعدها الشاي السنكين في مقهى رحمن سفر او مقهى مانع او مقهى جاسم يبه اوغيرها.
تفاصيل المزاد حيث الالاف من الذكريات.
ما ان تشرق الشمس الا ويظهر من غرفه (مكتب) عند مدخل الخان ملك السوق المخيف السيد عبد الوهاب بقامته المهابه ونضاراته الشمسيه السوداء. يحيط به من كل الجهات بقالين (بكاكيل) السوق باحترام واضح.
ورأيت هناك أصول واعتبارات للمهنه... فحين يبدأ حجي وهاب المزاد على أي كومه او اقفاص او سابل يصمت الجميع ويتنافسون باخلاق عاليه ~ فاحياننا اسمعهم يقولون لبعضهم هذه الشروه لك ~ معناها لاحد ينافس او يرفع السعر.
ولاحظت كذلك بان هناك بيعات يفرضها حجي وهاب على البقال حين لم يتقدم احد لشرائها.. خان المرحوم صالح امين اختفى من الوجود ولم يبقى منه اثر بعد ان تقطيعه وبناء مكانه محلات دكاكين.
الدكاكين المتتاليه بين خان هوبي وحتى مقهى حسين طكطق كلها مجهولة الهويه بالنسبه لي - فانا لا اتذكر تماما اصحابها وتخصص بضاعتها - واطمح من الاصدقاء ملئ الفرغات والهفوات الكثيره هنا ..
بعد مقهى حسين طقطك هناك محلين نتذكرهما جميعنا - الاول مطعم كبة واكلات على كيفك لصاحبه المسيحي الثاني حسب علمي في شهربان. السيد نجيب (ابو اثير) وهو من اهالي القوش في الموصل. واعتقد جاء الى شهربان لعدم وجود منافس تمانا.
والمحل الثاني هو ستوديو السيد محمود عبدالله الشهير وكلنا نتذكر فاترينة المحل تزينها صور لشخصيات انيقه ومنتخبه من اهل شهربان. تنتهي هذه الدكاكين بمحل بيع المشروبات الكحوليه للمواجه للفلكه الاخيره. والذي كان في السابق واحد من مقاهي شهربان الشهيرة المكتظة بالناس ليلا لسماع حكايات (سوالف) ملا وفي ..
هذه التفاصيل عبرت مسافات الزمن والالاف الذكريات.
تفاصيل عبرت مسافات الزمن وأصبحت الأن جديث من الالاف الذكريات. حيث انا الان اقف في الفلكه الاخيره وانظر تجاه محلة الرماديه ومتردد اين اتجه - ارغب بان اسلك شارع الامام سافر واصل لمحطة القطار.
التي كنت اذهب مشيا اليها كي ارى القطارعن قرب ولاعيش ايام فرجة الامام سافر.. كذلك ارغب ان اسير ببطئ في شارع محلة الرماديه. فانا مازلت اجهل الكثير من تفاصيلها وان اكتشف عالم العرصه المجهول تماما بالنسبه لي.. ساشارككم كل تفاصيل مشيتي اللاحقه في الاسابيع القادمة الغالين اهل شهربان.
" يا منطقتنا حلم ارجع لأصحابي وكل ساعه صاحب يجي ويدك علي بابي.
شما دار بيه الزمن ابقى لهلي ميال ومنين اجيبن كلب يتحمل الترحال ".
: ابن شهربان.