هل انتهى العمر التشغيلي للنظام الحالي؟ الجزء الخامس.
بقلم اللواء الطيار الركن رياض البياتي.
الجزء الخامس.
تُعد حقبة ما بعد عام 2003 في العراق واحدة من أكثر المراحل السياسية تعقيدًا وإثارة للجدل، حيث شهدت أحداثًا محورية أعادت رسم المشهد السياسي للبلاد. في هذا الجزء من سلسلة المقالات، نستعرض فترة تكليف إبراهيم الجعفري برئاسة الوزراء، وكتابة الدستور، وما رافقها من تحديات وقرارات أثرت على بنية النظام السياسي الحالي.
هل العمر التشغيلي قد انتهى للنظام الحالي" الجزء الخامس إذ انتهينا من سلسلة المقالات من المشهد العراقي التي طويت سنين ما بعد 2003. بعد أن أكملنا الجزء الرابع وفترة اياد علاوي.
إياد علاوي: محطة انتقالية وصراع سياسي.
بعد انتهاء فترة إياد علاوي، التي تميزت بإجراء أول انتخابات اعتُبرت ديمقراطية، كان يأمل في إعادة تكليفه، إلا أن القوى السياسية، وخصوصًا الإسلام السياسي القادم من لندن، لم ترَ في علاوي خيارًا يستحق الثقة للاستمرار. انتهت فترته بإحباط واسع بين الأوساط الديمقراطية والمدنية، مما فتح الباب أمام مرحلة جديدة من التجاذبات السياسية.
اكمل السيد علاوي أول انتخابات زعم أنها ديمقراطية، وكان يأمل السيد علاوي أن يعاد تكليفه بعدها. المجلس الوطني حدد دوره بكتابة دستور، ولكن حتى هذه الفترة المضافة لم تر قوى الإسلام السياسي الإنكليزية ان السيد علاوي يستحقها؟ فقد أدى دوره بإحباط الشارع الديمقراطي، والمدني.
تكليف إبراهيم الجعفري: قيادة متأرجحة.
جرى تكليف إبراهيم الجعفري برئاسة الوزراء، وهو شخصية أثارت جدلًا كبيرًا نظرًا لنرجسيته وهوسه الديني، وفقًا لوصف منتقديه. قاد العراق خلال هذه المرحلة كقائد عام للقوات المسلحة، بأسلوب أقرب لما يُعرف بـ"فتاح الفال"، كما أشار وزير الداخلية في حينها.
تكليف إبراهيم الجعفري رئيساً للوزراء؟ كلفت شخصية من نفس الدائرة القادمة من لندن؟ معروفة بالانفصام العصابي، والنرجسية، والهوس الغيبي. لتولي الوزارة ودخل العراق بقيادة قائد عام للقوات المسلحة يدير العمليات كأي (فتاح فال)... (راجع حديث السيد صولاغ). كان يشغل منصب وزير داخلية.
شهدت فترة الجعفري توزيع الوزارات بين قوى المحاصصة الطائفية والحزبية، دون مراعاة الكفاءة الإدارية أو المهنية، مما أدى إلى تفاقم التحديات. وزعت الوزارات غنيمة بين قوى محاصصة. لا تمتلك الحد الأدنى من التأهيل الإداري.
كانت هذه الفترة هي فترة كتابة الدستور، ومن المستغرب ان الولايات المتحدة. رغم تخليها عن الحكم المباشر للعراق توافق على مشروع خطير مثل كتابة الدستور بظل توسع الجماعات الارهابية في بغداد.
حيث كان الزرقاوي يسيطر على مناطق في بغداد ويسيطر على بغداد ليلا وعلى شمال وغرب العراق. مع وجود معارضة عراقية مسلحة شيعية. بالاضافة الى الأبعاد الكامل للسنة حيث مثلهم الحزب الإسلامي. وهو ما لا يراه العرب السنة ممثلا عنهم؟ وعدم نضوج تيار ديمقراطي حقيقي في العراق؟
كتابة الدستور: فرصة ضائعة أم كارثة مؤسَّسة؟
رئيس الوزراء الجديد من نفس مجموعة لندن. الحديث عن كتابة دستور بأيادي عراقية تحدثت به جهة ما. لم يحدد له مدى زمني؟ بل هو حديث عام مطلق. اختارت هذه المجموعة النموذج البريطاني للحكم رغم عدم وجود دستور في المملكة المتحدة.
واختاروا اقرب الدساتير التي تحمل هذه الروحية، وهو الدستور الاسرائيلي. في أشارة واضحة أن منطلق تأسيس دولة إسرائيل كان دينيا. ولكنهم تناسوا ان الدولة في إسرائيل هي دولة مدنية تقودها أحزاب ديمقراطية.
بدأت عملية كتابة الدستور في ظل ظروف أمنية وسياسية غاية في الصعوبة. إذ كانت الجماعات الإرهابية، بقيادة الزرقاوي، تسيطر على مناطق واسعة من بغداد وشمال وغرب العراق، إضافة إلى معارضة مسلحة داخلية.
رغم هذه التحديات، مضت عملية كتابة الدستور، لكنها وُجهت بانتقادات واسعة لعدة أسباب:
- غياب مفهوم الوطنية: من كتبوا الدستور لم يكن لديهم إيمان بالوطنية العراقية، بل سعوا لتأسيس كيان ضعيف قابل للتفكيك.
- إضعاف المركزية: تعمد النص على نقاط خلافية مثل "المناطق المتنازع عليها"، مما أدى إلى تآكل سلطة الحكومة المركزية.
- تركيز السلطة بيد رئيس الوزراء: جُمع منصب القائد العام للقوات المسلحة ورئاسة الوزراء، مما منح الأخير صلاحيات مطلقة، دون وجود هيئات استشارية عسكرية محترفة.
إقرار دستور مشوه: نتائج كارثية.
تحت ضغط الإرهاب وضغوط سياسية متعددة، أُقر الدستور بالأغلبية البسيطة، مما أدى إلى تبعات طويلة الأمد على النظام السياسي:
- غياب سلطة رئاسة الجمهورية: سُلبت الرئاسة أدواتها في حماية الدستور، ليبقى منصبًا رمزيًا.
- نظام دولة عميقة: عجزت القوى السياسية عن تقسيم العراق أو إعلان ولاية الفقيه، فاتجهت نحو تشكيل دولة عميقة تُحكم خارج الإطار الرسمي.
انعكاسات المرحلة: نحو مستقبل مجهول.
من خلال منصب القائد العام للقوات المسلحة، والى جمع منصب القائد العام للقوات المسلحة إلى منصب رئيس مجلس الوزراء. الذي اصبح بصلاحيات مطلقة، وبدون قيادة عامة للقوات المسلحة. اصبح رئيس مجلس الوزراء مطلق الصلاحيات في التصرف بحق الدولة باستخدام العنف.
وبدون أي سلطة او تأثير من رئيس الجمهورية. أو أي جهة اخرى؟ رغم كونه مدنياً يفترض أن تقدم له المشورة هيئات ركن عسكرية مهنية محترفة. وتحت ضغط الإرهاب وضغط الإخوان المسلمين (طارق الهاشمي) تم إقرار هذا الدستور المشوه. بالأغلبية البسيطة جدا.
هل انتهى العمر التشغيلي للنظام الحالي؟ | الجزء الخامس.
وهي الكارثة التي نواجهها حاليا حيث لم تستطع هذه القوى تقسيم العراق. او إعلانها دولة ولاية الفقيه! فاتجهت الى نظام الدولة البديلة العميقة التي تحكم العراق خارج حدود الإقليم. انتهت فترة الجعفري كجزء من سلسلة من السياسات التي عمّقت أزمات العراق السياسية. تلك الفترة شهدت تأسيس نظام مشوه، مليء بالتناقضات، جعل من الصعب تحقيق الاستقرار أو تلبية تطلعات الشعب العراقي.
يتبع...
في الجزء القادم، نستعرض تطورات ما بعد الجعفري
وتداعياتها على المشهد السياسي العراق.