هل انتهى العمر التشغيلي للنظام الحالي؟ الجزء التاسع.
بقلم اللواء الطيار الركن رياض البياتي.
الجزء التاسع.
نستكمل في هذا الجزء التاسع تحليلنا للأوضاع السياسية والاجتماعية التي عصفت بالعراق، في ظل نظام سياسي بدا واضحًا أنه يعاني من قصور مزمن، وانعدام للرؤية الوطنية الحقيقية.
![]() |
هل انتهى العمر التشغيلي للنظام الحالي؟ الجزء الثامن. |
بعد أن تطرقنا في الجزء الثامن من السلسلة الحديث عن زيارة الرئيس الامريكي أوباما للعراق والفترة الحرجة التي شهدت نهايات حكم المالكي الأولى والتحولات الجذرية التي رسمت ملامح المستقبل السياسي والأمني للعراق.
نظام طائفي عاجز.
خلال السنوات السبع الماضية، أظهر النظام السياسي في العراق عجزه عن تحقيق الاستقرار أو تمثيل إرادة وطنية جامعة. لقد تفرد النظام الطائفي في اجتثاث المخالفين والتبعية لإرادة دولة أقليمية مجاورة وبذلك غابت الأرادة الوطنية.
- طائفية النظام: الهيمنة الطائفية قضت على أي فرص للمصالحة الوطنية.
- غياب الإرادة المستقلة: النظام السياسي أصبح رهينة للضغوط الإقليمية والدولية، خاصة من إيران.
رؤية أوباما للعراق: الحديقة الخلفية لإيران
الرئيس الأمريكي باراك أوباما، المعروف بكرهه للعرب وتفضيله غير المبرر لإيران، سعى لإتمام اتفاق نووي مع طهران، ما دفعه لتجنب إثارة أي قضايا تعرقل التفاهم مع إيران، بما في ذلك الوضع في العراق.
- إهمال ملف العراق: ترك أوباما الملف العراقي لنائبه جو بايدن، الذي سبق أن طرح فكرة تقسيم العراق إلى أقاليم فيدرالية.
- سيطرة إيران: نتيجة لهذه السياسات، تحول العراق إلى "حديقة خلفية" لإيران، مع تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في البلاد.
الرئيس اوباما الذي يحمل كره غريب للعرب كما قلنا، ومحبة غير مفهومة للفرس. يطمح للوصول إلى اتفاق مع إيران لوقف برنامجها النووي، ولم يكن مستعدا ان يزعجها في العراق، ولذلك اصبح العراق حديقة خلفية لايران.
بكل معنى الكلمة.نائبه السيد بايدن الذي اطلق فكرة تقسيم العراق او تحويله الى الكونفدرالية! سحب مشروعه إكراما لايران. بعد ان اصبح العراق كله في الحضن الايراني.
عودة الإرهاب وانتشار القاعدة.
الولايات المتحدة ترعى مشروع الربيع العربي الاخواني. الهدف القريب كان مصر وليبيا.الارهاب بدأ يتوسع، ويحكم تنظيمه.لم تعد القاعدة تنظيما منعزل في فيافي افغانستان. فقد تعلمت من درس افغانستان. ان تواجدها في مكان،واحد يسهل من استهدافها، وانتشارها اكثر رعبا وتكلفة لاعدائها.
كانت في مراحل متقدمة من التفاهم مع العدو الشيعي الايراني.تنظيم القاعدة في العراق كان يعيد ترتيب اوضاعه. ويراقب تطور الانسحاب الامريكي،ويعيد تنظيمه . ويوجه ضربات شديدة الى الحكومة العراقية التي كانت قواتها مشلولة، وفي احيان كثيرة كانت القوات العراقية لا تستطيع القتال او التنقل الا بمساعدة القوات الامريكية.
- أعادت القاعدة تنظيم صفوفها واستغلت الانسحاب الأمريكي، لتصبح أكثر انتشارًا وخطورة.
- في سوريا، أُطلق سراح "أبو محمد الجولاني" في 2008، لينضم لاحقًا لتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق"، ويؤسس "جبهة النصرة".
سياسات المالكي واستبعاد السنة.
استخدم السيد المالكي كل اليات الدولة، بتوظيف كل نفوذه لابعاد السنة عن المشهد السياسي، وكان قانون الاجتثاث احد اسلحته حيث استخدمه لابعاد اكثر من 500 مرشح. ورغم ان المحكمة اعادتهم للتنافس لكن سيف (ديمقليس) وضع على رقاب الكثير منهم الذين انتقلوا لاحقا الى قائمة السيد المالكي. انتقل اثنين من هؤلاء في محافظة بابل لوحدها.
- قانون الاجتثاث: استُخدم لإقصاء أكثر من 500 مرشح، مما زاد من الاحتقان الطائفي.
- التلاعب بالانتخابات: برغم إعادة المحكمة عددًا من المستبعدين، إلا أن الضغط على المرشحين السنة دفع بعضهم للانضمام إلى قوائم المالكي.
من خلال تلك المشاهد والأمثلة كانت الحكومة تسير على خطى في الاستهداف السنة بأعتبارهم المنافس الأكبر وأنهم يعادون التجربة الشيعية وأن الوطن فقط للشيعة فكانت النتائج كارثية.
انتخابات 2010: تعقيد المشهد السياسي.
في هكذا اجواء جرت انتخابات في 7مايس2010 حسب نظام يسمى( هوندت)، وهو نظام يمنح رؤوساء القوائم سلطة منح المقاعد الزائدة.. انخفضت نسبة المشاركة ، ويبدوا ان العرب كانواأكثر حضورا من اهل الجنوب،وبلغت نسبة المشاركة 62.4
أُجريت الانتخابات في 7 مايو 2010 بنظام "هوندت"، الذي يمنح رؤساء القوائم سلطة توزيع المقاعد الزائدة.
- نسبة المشاركة بلغت 62.4%، مع إقبال أكبر في المناطق العربية مقارنة بالجنوب.
-
النتائج:
- قائمة إياد علاوي: 91 مقعدًا.
- قائمة المالكي: 89 مقعدًا.
- الائتلاف الوطني الشيعي: 70 مقعدًا.
- القائمة الكردية: 43 مقعدًا.
اعلنت النتائج حيث فازت قائمة اياد علاوي ب 91 مقعد، وفازت قائمة المالكي ب 89 مقعد.السيد المالكي اصر ان يتفرد بقائمة لوحده متحدثا عن قوة المكونات السياسية، وفازت قائمة الائتلاف الوطني الشيعية ب 70 مقعد ، والقائمة الكردية ب 43 مقعد. اعترض السيد المالكي على النتائج، ولكن الاعتراض رد. تمت المصادقة على النتائج في 14/6/2010.تحدث رئيس لجنة المراقبة الأممية مشيدا بالنتائج.مطالب الجميع بقبولها ..
رغم المصادقة على النتائج في 14 يونيو 2010، استمر استعصاء تشكيل الحكومة لثمانية أشهر.
تشكيل الحكومة: المالكي يبقى في الحكم.
استمر استعصاء تشكيل الحكومة لمدة ثمان اشهر، وكاد الاتفاقات التي حدثت في كردستان تنهار عند تكليف السيد اسامة النجيفي برئاسة البرلمان، ولكن تم تلافي الموقف. بتدخل كردي ادى الى المضي بتكليف السيد المالكي تشكيل الحكومة الذي تم بعد ثمان شهور واحتفظ بها المالكي بكل الوزارات الامنية، وعين له ثلاثة نواب منهم صالح المطلك من العراقية.
بفضل التدخلات الإقليمية والدولية:
- دور الأكراد: لعبوا دورًا محوريًا في إنهاء الأزمة السياسية وتكليف المالكي بتشكيل الحكومة.
- تدخل إيران: منعت دعم سوريا لعلاوي، وأوقفت تدخل تركيا وقطر، بينما ظل الدور السعودي غائبًا.
حكومة المالكي الثانية:
- احتفظ المالكي بكل الوزارات الأمنية، وعيّن ثلاثة نواب لرئيس الوزراء، بينهم صالح المطلك من قائمة العراقية.
- التنازلات: قدم المالكي تنازلات كبيرة للأكراد والأمريكيين لضمان بقائه في السلطة.
كانت حكومة ( تلزيك) لكي يستمر السيد المالكي بالحكم. فقد قدم كل ما يمكن من تنازلات للكرد لابعاد اياد علاوي. وكان براكماتيا جدا مع الامريكان؟ الذين منحوه مساندتهم. اما الايرانيون لم يكتفوا بالدعم السياسي فقد منعوا سوريا من مساندة علاوي، ولم يسمحوا لتركيا، وقطر بالتدخل بالوقت الذي لم يكن هناك اي تاثير للسعودية.
تفكك قائمة علاوي.
المميزات التي منحت للنواب جعلت منصب عضوا البرلمان صفقة تجارية مربحة،وكان النائب يحاول جاهدا المحافظة عليها، ولذلك بدأت قائمة السيد علاوي تتفتت خلال الثمان اشهر من فترة تشكيل الحكومة امام اغراءات التعينيات، والعجلات الحديثة،والاموال.
يبدوا ان السيد علاوي فقد السيطرة على قائمته التي بدأ أعضاءها يبحثون عن مصالح فردية او ضيقة، وهو ما منح السيد المالكي اريحية في حكم العراق في الحكومة الجديدة....
خلال فترة تشكيل الحكومة، بدأت قائمة إياد علاوي تتفتت بسبب:
- الإغراءات المالية والمناصب.
- ضعف السيطرة التنظيمية داخل القائمة، مع انشغال أعضائها بالمصالح الفردية.
خاتمة الجزء التاسع.
أثبتت نتائج الانتخابات وأحداث تشكيل الحكومة أن النظام السياسي في العراق لا يملك مقومات البقاء طويلًا. سياسات المالكي الانفرادية، وتفشي الطائفية، والهيمنة الإيرانية، وضعت البلاد على مسار خطير، حيث أصبحت المصالح الفردية هي المهيمنة، على حساب المصلحة الوطنية.
يتبع...