هل انتهى العمر الافتراضي للنظام السياسي الحالي في العراق؟
بقلم: اللواء الطيار الركن رياض البياتي.
الجزء الأول.
تُعد الأزمة السياسية الراهنة في العراق من أبرز المواضيع التي تدعو للتساؤل حول مدى قدرة النظام السياسي الحالي على الاستمرار. ما هي الظروف التي شُيّد فيها هذا النظام؟ وما هو العمر الافتراضي الذي يمكن أن يُنسب له؟ نستعرض أحداثًا حاسمة منذ 2003 تلقي الضوء على نشأة النظام السياسي الحالي وتطوره.
![]() |
هل انتهى العمر الافتراضي للنظام السياسي الحالي في العراق؟ |
الأزمة السياسية الحالية التي يمر بها العراق تدفعنا للتساؤل عن العمر التشغيلي والافتراضي للنظام السياسي الحالي واليكم الجزء الأول. وعن الظروف التي جرى تأسيسه به؟ وهذا ما سوف أتناوله بسلسلة من المقالات عن ما جرى في العراق منذ عقدين تقريبا. وادعوا الأصدقاء المتابعين من الذين يملكون معلومات أن يضيفوا في تعقيباتهم على هذه السلسة من المقالات المهمة.
بداية التأسيس: مؤتمر بغداد 2003.
في 28 أبريل 2003، وبعد سقوط النظام السابق، عقد مؤتمر للشخصيات العراقية المعارضة داخل العراق. كان هذا المؤتمر نقطة انطلاق نحو تأسيس نظام سياسي جديد.
ورغم الإصابات التي تعرض لها الكاتب رياض البياتي بسبب مواجهته عصابة حاولت سرقة بنك في الحلة، إلا أنه حضر المؤتمر الذي عقد تحت رعاية الجنرال جي كارنر، الحاكم العسكري للعراق آنذاك. شارك في المؤتمر فريق كبير من الضباط والخبراء الفنيين الأميركيين المسؤولين عن إعادة الإعمار، بمن فيهم مسؤول ملف الكهرباء الذي أكد حاجة العراق إلى 8 مليارات دولار لإصلاح شبكة الكهرباء.
في28 نيسان 2003 بعد إسقاط النظام السابق عقد في بغداد مؤتمر للشخصيات العراقية المعارضة من داخل العراق؟ وكنت احد الحاضرين رغم أني كنت قد تعرضت للإصابة بطلقات نارية. بسبب تصدي لعصابة من الذين يزعمون انهم من المعارضة حاولت سرقة بنك في مدينة الحلة حيث أصبت بثلاثة إطلاقات نارية في البطن. وأصيب احد أولادي كذلك.
عقد المؤتمر في قاعة المؤتمرات في بغداد برعاية الجنرال جي كارنر الحاكم العسكري للعراق في حينه؟ حضر المؤتمر طاقم كبير من الضباط الفنيين الأمريكان المكلفين بواجب الإعمار من فيلق المهندسين الأمريكي.
وكان لي حديث طويل مع الجنرال المهندس المكلف بملف الكهرباء. الذي اخبرني ان وضع الكهرباء سيء ويحتاج الى 8 مليار للوصول به الى منظومة رصينة. للنهوض بكل متطلبات العراق بمختلف نشاطاته. كانت لديه فكرة واسعة عن حاجة المواطن وقطاع الصناعة للكهرباء؟
حضرت شخصيات من كل محافظات العراق مع غياب واضح لمعظم القادمين مع المحتل من الخارج؟ راس المؤتمر الجنرال كارنر, وممثل الرئيس الأمريكي السيد سلمان خليل زادة. والسيد وزير الشؤون الخارجية البريطاني وعدد من سفراء جيوش الاحتلال المدنيين؟
شكل النظام السياسي: جدل وآراء متباينة.
كان الهدف من المؤتمر استطلاع آراء العراقيين حول شكل النظام السياسي المنشود. تباينت الآراء بين:
- عودة الملكية: رأي تبنته قلة من الحاضرين.
- النظام الرئاسي: خيار البعض لتركز السلطة في يد واحدة.
- النظام المختلط: حصل على تأييد الأغلبية، حيث اعتُبر خيارًا متوازنًا يمنع ظهور الديكتاتورية.
كان من الواضح ان الأكثر فاعلية في المؤتمر هو وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطاني. وعندما سألني عن سبب انحيازي الى النظام المختلط. أخبرته أن هذا النظام لم يكن جديدا على العراق. فقد مورس طوال حكم عبد الكريم قاسم الذي كان رئيس للوزراء، ولعدد من المرات في حكم العارفين، وحكم البعث؟
وهو مانع للتغول الذي يمكن أن يؤدي لدكتاتورية جديدة؟ وان طبيعة تكوين وتاريخ, ودين الإسلام يجعل من النظام الرئاسي ممرا لعودة الديكتاتورية. حيث أن ثقافة الحاكم المطلق المفوض من الله سائدة تاريخيا وفي وعي المسلم.
خصوصا في المجتمعات القبلية, والنظام البرلماني صعب التداول, ويحتاج الى دولة مدنية علمانية تؤمن بالليبرالية. وهو ما لا يتوفر بالساسة العراقيين الحاليين, ومن السهولة الالتفاف عليه وتحويله الى نظام مكونات وأثارة الطائفية، والعرقية من خلاله، وتكييف مفاهيمه لخدمة أفكار معينة، وكما يحصل حاليا, وسوف يضيع لحمة الشعب العراقي التي كانت هاجس حكام العراق بمختلف توجهاتهم منذ تأسيس دولة العراق؟
القليل الذي حظر في المؤتمر من القادمين مع الاحتلال لم يقدموا انطباعا جيدا, وبدوا ممسوخين. وهو ما دفع زلماي خليل زادة لتنبيه الحضور اليهم كمقاومين لنظام صدام الذي اجمع كل الحاضرين ان هذا الشرف يستحقه العراقيون أولاً؟ وبلقاء جانبي بعد الغداء مع الجنرال كارنر الذي كان جنرال في القوة الجوية الأمريكية جرى بيننا حديث حول الأمن المنفلت في بغداد.
الكاتب أوضح أن النظام المختلط ليس جديدًا على العراق، فقد طُبق في عهد عبد الكريم قاسم والعهد الجمهوري لاحقًا، معتبرًا إياه حاجزًا أمام عودة الاستبداد في ظل طبيعة المجتمع العراقي ذات الطابع القبلي والديني.
التحديات الأمنية وإعادة الجيش
من النقاط البارزة التي نوقشت خلال المؤتمر كانت مسألة الأمن المنفلت في بغداد. دعا الكاتب الجنرال كارنر إلى إعادة الجيش العراقي لضبط الأمن، مؤكدًا على وطنية الجيش وتفنيد الفكرة القائلة بأنه مجرد أداة بيد حزب البعث.
رد كارنر بأن قرار إعادة الجيش قد اتُخذ بالفعل، معربًا عن أمله في تعاون الضباط العراقيين. إلا أن تغييرات مفاجئة، تمثلت في استبدال كارنر ببريمر، أوقفت تلك الخطة، مما أدى إلى تفاقم الوضع الأمني والسياسي في البلاد.
طلبت منه أعادة الجيش لضبط الأمن، وكان من الذين معي في هذا الحديث كما أتذكر السيدة رند عبد الرحيم؟ وقد اخبرني انه اصدر الأمر فعلا بإعادة الجيش السابق لحفظ الأمن.
وهو ما سوف يتم خلال أسبوعين، وانه يأمل في تعاون ضباط الجيش العراقي في حينها. كنت مصابا بإطلاقات نارية اطلقها علي بعض من الذين يزعمون انهم معارضة عندما منعتهم من سرقة احد البنوك في الحلة.
أخبرته أن الجيش العراقي في تربيته جيش، وطني، وان افتراض كونه جيش تابع لحزب البعث هو خطأ كبير يجب أن يتغير. وان من السهولة أعادة ترسيخ الوطنية بين منتسبيه. انتهى المؤتمر. على أمل الانعقاد في موعد جديد لاستمرار بالتداول حول شكل نظام الحكم وهذا لم يحصل حيث استبدل الجنرال كارنر بالسيد بريمر في شبه انقلاب؟

مآلات النظام السياسي الحالي
النظام السياسي الحالي تأسس وسط ظروف استثنائية أعقبت الغزو الأميركي للعراق. إلا أن تحديات عديدة، منها الطائفية والتجاذبات الحزبية، أثرت سلبًا على تطوره.
النظام البرلماني في العراق تحول إلى نظام "مكونات"، حيث غلبت المصالح الفئوية والطائفية على المصلحة الوطنية. وفي ظل هذا الواقع، تُطرح تساؤلات جدية حول مدى استدامة هذا النظام وإمكانية إصلاحه ليواكب تطلعات الشعب العراقي.
خاتمة: التاريخ السياسي العراقي منذ 2003 مليء بالأحداث التي تستوجب الوقوف عندها لفهم جذور الأزمة الحالية. هذه المقالة ليست سوى بداية سلسلة تهدف إلى تسليط الضوء على مراحل تأسيس النظام الحالي والتحديات التي واجهها.
يتبع في الحلقات القادمة.