هل انتهى العمر التشغيلي للنظام الحالي؟ الجزء الثالث.
بقلم اللواء الطيار الركن رياض البياتي.
الجزء الثالث.
نستكمل في هذا الجزء الثالث من سلسلة المقالات تسليط الضوء على الأحداث التاريخية التي شكّلت ملامح الواقع السياسي في العراق بعد سقوط النظام السابق. تناولنا في الجزء الثاني ضرورة تدخل الولايات المتحدة لوقف الفوضى التي اجتاحت البلاد، والآن نستعرض تفاصيل أكثر عن مرحلة الحاكم المدني بريمر ودوره في تشكيل مجلس الحكم، وصولاً إلى انزلاق العراق في دوامة الدم.
![]() |
هل انتهى العمر التشغيلي للنظام الحالي؟ | الجزء الثالث |
هل انتهى العمر التشغيلي للنظام الحالي واليكم الجزء الثالث. في قراءة تأريخية لما جرى في سلسلة من الحلقات وجاء في الجزء الثاني كان يجب على الولايات المتحدة وقف الفوضى التي عصفت في البلاد.
قد يتصور البعض أني أحاول أن أبعد عن المحتل الأمريكي الكارثة التي حدثت. ما أريد أن أوضحه أني أجمع أطراف أحجية لكي تتوضح الحقيقة واترك للقارئ أن يرتبها.
دور بريمر في تشكيل مجلس الحكم: بداية الانحدار.
دور الحاكم المدني بريمر في تشكيل مجلس الحكم؟ استمر الوضع طوال فترة بريمر، ومجلس الحكم. يسير بشكل ثابت باتجاه تدمير البنية التحتية للعراق. واستمرت سرقة، وتهديم المعسكرات، والمعامل. وبدأت بوادر عمليات المقاومة ودخول المجاميع الارهابية في شمال بابل والفلوجة.
وهنا للتاريخ، وبعدد المرات التي التقيت بها ضباط أمريكان كان الجيش الأمريكي متذمر من الوضع في العراق. ومن الإدارات المحلية التي شكلت. وكانت مطالبات إعادة الجيش مستمرة، بتأييد من الجيش الأمريكي. مع التحذير من اندلاع مظاهرات قد تنتقل الى مطالبات مسلحة.
مع استمرار عمل الحاكم المدني بول بريمر ومجلس الحكم، اتخذ الوضع مسارًا ثابتًا نحو تدمير البنية التحتية للعراق. خلال هذه الفترة:
- انتشرت سرقة المعسكرات والمصانع وتدميرها.
- ظهرت العمليات الإرهابية في مناطق مثل شمال بابل والفلوجة.
رغم الضغوط المستمرة من الجيش الأمريكي لإعادة هيكلة الجيش العراقي، أصر بريمر على تجاهل تلك المطالب. بدلاً من ذلك، قرر صرف "منحة طوارئ"، وإنشاء دوائر للمحاربين القدماء والحمايات الداخلية لاستيعاب بعض أفراد الجيش السابق. لكن هذه الحلول المؤقتة لم تفلح في السيطرة على تدهور الأوضاع.
ارجوا من القارئ أن يراقب حجم التخبط بدلاً من إعادة الجيش. قرر بريمر أن يصرف (منحة طوارئ) . استمرت المطالبات وبسبب الضغط شكلت في المحافظات دوائر تسمى المحاربين القدماء، وكان أول تشكيل في بابل. ودوائر الحمايات الداخلية. التي استوعبت بعض من أفراد الجيش السابق.
وبسبب الضغط من الجيش الأمريكي الذي بدأ يواجه مقاومة مسلحة بعض من أفرادها كانوا من منتسبي الجيش السابق.
تشكيل الحرس الوطني: خطوة غير محسوبة.
شكل ما يسمى (الحرس الوطني) ورغم أن هذه الأفواج التي شكلت استوعبت قسم من ضباط الجيش السابق، ومنتسبيه. لكن الأغلبية التي إلحقت به كانت تتم عن طريق الأحزاب التي تمكنت أن تتمركز على الأرض.
وتصبح قوة عن طريق استيعاب أفراد القوات المسلحة، وفتح أبواب التوظيف لمن ينتمي إليها. لم تكن هناك أي دولة في فترة بريمر، ومجلس الحكم.
تم تشكيل الحرس الوطني كبديل للجيش، لكنه جاء مشوبًا بالكثير من العيوب:
- استوعب قسمًا من ضباط ومنتسبي الجيش السابق.
- انحصر التوظيف في إطار الأحزاب التي بدأت تفرض سيطرتها على الأرض.
هذا الوضع أتاح للأحزاب الإسلامية السيطرة المباشرة على المحافظات عبر مكاتبها، مما جعل الفساد يتفشى في أجهزة الدولة، وتحولت محاولات إعادة الإعمار إلى مشاريع تخدم مصالح الأحزاب والمقاولين المرتبطين بها.
حيث كانت الأحزاب الإسلامية تدير المحافظات بشكل مباشر عن طريق مكاتبها. مما جعل متبقي جهاز الدولة يعمل بما تريده هذه الأحزاب، وبالطريقة التي تريدها. ومن هنا بدأ الفساد.
فكل ما كانت تقوم به الإدارات المحلية الأمريكية من محاولات للتعمير او الخدمات كانت تنتهي بجيوب الأحزاب، وأصدقائهم من المقاولين. هذا الحال كان مستمرا على الأقل في الإدارة المدنية الوسطى التي شملت الرمادي وكربلاء والنجف وبابل والقادسية والمثنى.
إيران والسيطرة الكاملة: تحول مذهبي واضح.
عند نهاية فترة بريمر كانت السيطرة كاملة لإيران. استغلت خطايا النظام السابق الذي منع الجمهور الشيعي من أداء مراسيمه الدينية. منذ اليوم الأول لسقوط النظام وبطريقة عفوية أعيدت المراسيم وكانت المواكب الدينية تقدم الطعام للقوات الأمريكية؟
مع نهاية فترة بريمر، أصبحت السيطرة الإيرانية شبه كاملة، حيث استغلت أخطاء النظام السابق التي منعت الشيعة من أداء طقوسهم الدينية.
- خطوات ذكية من إيران: دعمت إيران عودة المواكب الدينية، وحوّلتها إلى إنجاز محسوب للأحزاب المرتبطة بها، مما أكسبها تأييد الشارع في المناطق الوسطى والجنوبية.
- تحول مذهبي: بدأت المحافظات تتحول تدريجيًا من التشيع العراقي التقليدي (الحسيني) إلى التشيع الإيراني (المهدوي).
تفاصيل زيارة بريمر إلى الحلة: صراحة غير متوقعة.
تفاصيل حول زيارة الحاكم المدني پريمر لمدينة الحلة. وكما أتذكر يوم 16 تموز زار بريمر الحلة. كنت في داري عندما وصلت سيارات الإدارة المدنية، وطلب مني أن أرافقهم الى مقر الإدارة في فندق بابل. قد يتصور البعض ان الأمر غريب. لقد حدث قبل ذلك لعدة مرات.
خلال الأحاديث حول المشاكل التي تعصف بالعراق، وكانت أحاديثنا دائما تصطدم بالإدارة المدنية. مع تعاطف من ضباط الجيش الأمريكي.
وصلت الى مقر الإدارة المدنية، وكان هنالك محافظ بابل الذي عينه المجلس الاعلى. رغم انه من منتسبي التصنيع العسكري، ولا يملك أي خبرة لكن خطة التوسع للأحزاب القادمة من إيران. كانت استيعاب هؤلاء وإشاعة الانتهازية والوصولية وتدمير ما تبقى من أخلاق وخصوصا في أجهزة الدولة.
في منتصف عام 2004، زار الحاكم المدني بول بريمر مدينة الحلة في جولة قصيرة. خلال هذه الزيارة، أتيحت الفرصة للكاتب للتحدث معه مباشرة. أبرز النقاط التي تم مناقشتها:
- انتقاد صريح للإدارة الأمريكية: تم توجيه الانتقاد لدعم الولايات المتحدة للإسلام السياسي، مما أدى إلى تحويل العراق المدني إلى نظام سلفي غيبي بعيد عن الديمقراطية.
- رد فعل بريمر: لم يرد بريمر على هذه الانتقادات علنًا، لكنه أعرب لاحقًا عن صدمته من الصراحة التي سمعها.
وكان هناك القائممقام عماد البياتي ومدير الشرطة المرحوم قيس المعموري ونائب رئيس المجلس البلدي حسن أزغير كما أتذكر... وكانت السيدة س البراك حاضرة وشيخ معمم أسمه أبو الحسن موجود.
كان الحضور مختصر جداً عند لقاء الحاكم المدني بريمر.
كانت مفاجأة حيث دخل السيد بريمر الى القاعة. سلم على الحضور ومن ثم باشر بإلقاء كلمة صغيرة حول دوره في العراق، وما انجزه. وشكرنا نحن الثلاثة على دورنا السلمي في المجتمع المحلي.
بعدها تكلم البعض مادح كالعادة الإدارة المدنية والسيد بريمر. طلبت الإذن بالكلام، ورغم أني اجيد اللغة الإنكليزية بشكل جيد. فقد استأذنته أن أتحدث معه بالعربية، وكان القصد هو إسماع الحاضرين من العراقيين، والجهات الأمريكية الأخرى ما أريد قوله. المترجم كان من الحلة، واعرفه شخصيا، وطلبت منه أن يترجم ما أقول حرفيا.
شكرت السيد بريمر على خدمة لم نكن نحتاجها في العراق. ولم تؤدي الدور المطلوب منها .في إرساء حكم ديمقراطي كما تزعم الولايات المتحدة. ، وأخبرته بشكل واضح، وصريح، ومباشر.
ان الأمريكان ارسوا حكم سلفي غيبي في العراق حيث دعمتم الإسلام السياسي للوصول للسلطة في بلد مدني يتحول بكل بساطة للديمقراطية. للتاريخ ان الحديث مسجل في إذاعة بابل التي كانت وحدها حاضرة. لم يجيبني الرجل.
ولكن احد الحضور عقب (أبو أركان على كيفك) كانت الوجوه مصفرة. أخبرت المعقب أني لست موظف لديك. انتهى الاجتماع، وكانت الإدارة المحلية قد أعدت بوفيه صغير عليه معجنات، ومرطبات.
نتائج القرارات الخاطئة: انزلاق نحو الدم.
سحبني ممثل أحدى الجهات الأمنية الأمريكية، وأوقفني الى جنب السيد بريمر الذي شكرني على صراحتي، وأخبرني انه لم يسمع هذا الكلام من قبل... أخبرته أنكم ذاهبون لأيام صعبة دفعكم إليها إما أغبياء؟ او أذكياء! جدا. وسوف تسيل دماء كثيرة... قال لي بالحرف أزجوك أن تخبر حكومتك بما تظن … خبرته أن الوقت اصبح متأخر وان العراق انزلق للدم.
مع انتهاء فترة بريمر، كانت البلاد قد انزلقت إلى مرحلة خطيرة:
- تدهور الأمن: تصاعدت الأعمال المسلحة بدعم من قوى سياسية وأطراف خارجية.
- ترسيخ الفساد: أصبحت الأجهزة الحكومية أداة لخدمة الأحزاب المسيطرة.
- خسائر بشرية: بدأت تتزايد الأحداث الدامية، مما شكّل واقعًا مظلمًا للشعب العراقي.
كانت زيارة سريعة يبدوا انه لم يكملها حيث زار الحلة باليوم التالي، واسمع ما يرغب بسماعه. من أشخاص شاهدت بعيني، وسمعت بإذني احدهم يتحدث في نفس المكان مع ممثل السيد الخامنئي في العام 2014 انه من المؤمنين بولاية الفقيه... هكذا انزلقنا للدم ...
خاتمة: مرحلة تحتاج إلى مراجعة شاملة.
إن فترة الحاكم المدني بريمر ومجلس الحكم مثّلت بداية انزلاق العراق إلى دوامة من الفوضى والدم. القرارات الخاطئة، والتحالفات المشبوهة، والتدخلات الخارجية، كلها ساهمت في تعقيد المشهد.
السؤال الذي يبقى مطروحًا: هل يمكن للعراق أن يتجاوز هذه المرحلة ويبدأ في بناء نظام جديد يحقق تطلعات شعبه؟
يتبع...