دموع الرصافي وقصيدة الأرملة المرضعة: صرخة إنسانية خالدة
في قلب بغداد، وأمام جامع الحيدرخانة، شهد الشاعر العراقي الكبير **معروف الرصافي** موقفًا إنسانيًا هز كيانه وأثار في قلبه أعمق مشاعر الرحمة. لم يكن الموقف مجرد لقاء عابر، بل كان لوحة نابضة بالألم والفقر، تجسد معاناة **أرملة فقيرة** تكافح لإطعام طفلتيها اليتيمتين.
![]() |
دموع الرصافي وقصيدة الأرملة المرضعة: صرخة إنسانية خالدة |
وبعين الأديب وقلب الإنسان، سجّل الرصافي هذه الحكاية شعراً في قصيدته الخالدة **"الأرملة المرضعة"**، لتكون شاهدًا على قسوة الفقر وعظمة العطاء الإنساني، وصرخة مدوية في وجه الظلم الاجتماعي.
قصة الشاعر معروف الرصافي مع القصيدة
كان الشاعر العراقي "معروف الرصافي " جالساً في دكان صديقه الكائن أمام جامع الحيدر ببغداد و بينما كانا يتجاذبان أطراف الحديث ، وإذا بإمرأة محجبة يوحي منظرها العام بإنها فقيرة و كانت تحمل صحناً وطلبت بالإشارة من صاحبه أن يعطيها بضعة قروش كثمن لهذا الصحن.. ولكن صاحب الدكان خرج إليها وحدثها همساً ، فانصرفت المرأة الفقيرة.
فاستفسر الرصافي من صديقه عن هذه المرأة؟
فقال له صاحبه :
إنها أرملة تعيل يتميين وهم الآن جياع وتريد أن ترهن الصحن بأربعة قروش كي تشتري لهما الخبز؟ فما كان من الرصافي إلا أن يلحق بها ، ويعطيها أثني عشر قرشاً كان كل ما يملكه الرصافي في جيبه ، فأخذت السيدة الأرملة القروش وهي في حالة تردد وحياء و سلمت الصحن للرصافي و هي تقول : الله يرضى عليك تفضل وخذ الصحن.
رفض الرصافي و غادرها عائداً الى دكان صديقه و قلبه يعتصر من الالم.
عاد الرصافي إلى بيته ولم يستطع النوم ليلتها و راح يكتب هذه القصيدة و الدموع تنهمر من عينيه.
"قصيدة الأرملة المرضعة "كتبت بدموع عيني الرصافي ، فجاء التعبير عن المأساة تجسيداً صادقاً لدقة ورقة التعبير عن مشكلة أجتماعية ((الفقر و الفقراء )).
وتعد هذه القصيدة من روائع الشعر العربي في عصر النهضة! بل إن من روعتها نال درجة الدكتوارة بها طالب فرنسي في جامعة الزيتونة بتونس، وترجمت قصيدته إلى اللغة الفرنسية والانجليزية لتعدد الصور الوصفية المؤثرة في نفوس النبلاء.
قصيدة الرصافي
الخاتمة: إن قصيدة **"الأرملة المرضعة"** ليست مجرد أبيات شعرية، بل هي وثيقة إنسانية تروي مأساة الفقر بأسلوب صادق مؤثر، يعكس عمق إحساس الشاعر بمعاناة المساكين. لقد خلد الرصافي موقفه النبيل في كلمات بقيت حيّة في وجدان الأدب العربي، وتجاوز صداها حدود الزمان والمكان. إنها دعوة لكل إنسان أن يفتح قلبه قبل يده، وأن يدرك أن الرحمة ليست فضلًا، بل واجبًا، وأن الكلمة الصادقة قادرة على أن تغيّر القلوب كما فعلت قصيدة الرصافي في عقول ووجدان الأحرار.