المواجهة للدفاع عن سد الموصل
مذكرات طيار عراقي
المواجهة للدفاع عن سد الموصل مذكرات طيار عراقي. كان أمر الإقلاع الفوري الذي نفذته عندما كنت في غرفة الاستعداد لقد رافقت ذلك الواجب أحداث غريبة.
سد الموصل ذلك الموقع الذي يعدَّ هدف حيوي مهم. يقع شمال مدينة الموصل بمسافة 50 كم. افتتح عام 1986 يبلغ طوله 3.2 كم وارتفاعه 131 متر.
عدّ سد الموصل على إنه أكبر سد في العراق. ورابع سد بالشرق الأوسط . يقع على نهر دجلة شمالي العراق بالقرب من أسكي الموصل.
من مذكرات طيار عراقي للدفاع عن سد الموصل.
من ذاكرة غرفة الاستعداد لتنفيذ الدوريات والإقلاع الفوري يروي لنا تلك التجربة. التي رافقت ذلك الإقلاع الفوري لتبقى تلك اللحظات عالقة بالذاكرة.
تتسم أوامر الدفاع الجوي بسرعة تنفيذ الواجبات الليلية والنهارية والتقييد بالتوقيت وبتنسيق تلك الواجبات مع أسراب الطائرات المتصدية.
إن تنفيذ الواجبات من قبل الأسراب من غرفة الاستعداد. حسب متطلبات الظرف الأمني للحفاظ على سماء الوطن بالحرب والسلم من أي تهديد معادي يخترق الحدود الوطنية.
تنقسم أوامر الدفاع الجوي لغرفة الاستعداد الى:
- الدورية المسلحة الاعتيادية يجب أن لا تتجاوز وقت الإقلاع فيها خمسة دقائق من استلام أمر الدفاع الجوي.
- الإقلاع الفوري يجب أن لا تتجاوز وقت الإقلاع فيها عن ثلاثة دقائق من استلام أمر القاطع تليفونياً من غرفة الاستعداد الى الجلوس بمقصورة الطائرة وربط الأحزمة ثم التشغيل والإقلاع والتحويل الى قناة القاطع.
- بعد ذلك استلام أوامر التوجيه الراداري لقاطع الدفاع الجوي على معلومات الواجب وتنفيذها.
- قد ترافق مثل هذه الواجبات مفارقات بسبب السرعة في التنفيذ والانفعال لان واجب الإقلاع الفوري يقيدك بأن تكون في الجو بأقصر مدة ممكنة بعد الإقلاع...
تفاصيل الإقلاع الفوري بالمواجهة للدفاع عن سد الموصل.
اذكر اكثر واجب رافقته أحداث ومفارقات غير متوقعة ولا تخطر على بال أحد؟
كان دوري بواجب الاستعداد في غرفة قريبة من ملجأ طائرات الاستعداد. كانت الساعة العاشرة صباحاً من الشهر الرابع عام 1988. قاعدة فرناس الجوية. مدينة الموصل. نوع الطائرة ميك 21 بز. السرب الرابع عشر.
استلمت تبليغ من غرفة حركات قاطع الدفاع الجوي عبر الهاتف. الأمر كان إقلاع فوري بطائرة واحدة . باتجاه سد الموصل الشمالي لوجود اختراق طائرة.
كانت حركات القاطع قد استبقت الأمر وحللت أن هدف الطائرة المعادية قد يكون سد الموصل لذلك كان التبليغ هو الإقلاع والتوجه الى فوق السد للتحسب لأي طارئ قد يحصل.
أن حاولت تلك الطائرة ضرب السد قد تؤدي الى أثار سلبية وكارثية على غرق الموصل وبغداد في حالة حدوث ضرر في سد الموصل الكبير لا سامح الله...
تم تشغيل محرك الطائرة ودفع ضاغطة الوقود لزيادة حركة دوران محرك الطائرة، الدرج باتجاه المدرج 32 القريب من ملجأ الاستعداد.
عند القيام بالاتصال ببرج السيطرة الجوية لأخد الموافقات بدخول المدرج والإقلاع. يبدو لي أن هنالك تنسيق بينهم وبين حركات القاطع. جاء لي رد به مفارقة؟
- جاء نداء السيطرة الجوية تغير اتجاه المدرج الى الجنوبي حيث لا يمكن الإقلاع من اتجاه المدرج 32 لوجود طائرات في مرحلة النزول. يجب أن أقوم بتغيير اتجاه الإقلاع 15 في بداية المدرج.
- بهذه الحالة سوف يتعرض الواجب للتأخير ويستنزف وقت طويل لقطع تلك المسافة وخطورة عدم وصولي للمكان بالوقت المناسب.
- بالاضافة الى طريق الدرج المحاذي للمدرج بطول اقل من ٣ كم تقريبا مما ينبغي لي أن ادرج بسرعة وكانت الطائرة بحمولة كاملة وجود خزان وقود إضافي.
- مع العلم إن طريق درج قاعدة فرناس الجوية فيه زاوية انحناء كبيرة قرب منتصف الطريق، ففي هذه اللحظة وبهذه السرعة والدوران قد تنقلب الطائرة رغم محاولاتي للتعديل وتقليل من السرعة مع بريك ودوران يسار.
- صعوبة استجابة الطائرة بهذه الحمولة والسرعة فزحفت بحافة التكسي وعجلة اليمين خرجت من طريق الدرج محطمةً مصباح الإنارة الليلية وقد تتضرر العجلة، لا وقت لي لفحصها من قبل ضابط الكرفان المتواجد قرب بداية المدرج.
بعد التحويل الى قناة قاطع الدفاع الجوي اعطاني القاطع امراً ان استمر بارتفاع ٥٠٠م وسرعة عالية واخذ اتجاه مباشر الى بحيرة السد وما حولها.
كذلك رادار الطائرة لا يمكن الاعتماد علية في تحديد الهدف أو مسكه بالارتفاعات الواطئة ولا يمكن تمييز الهدف أو كشفه لذلك كان الاعتماد على الرؤيا البصرية وعمل الدورانات فوق السد لعلي أرى الطائرة.
- ظهر زنبور من داخل المقصورة يبدو أنه كان مختبئ بين الفراغات والاجهزة. يبدو أنه قد تحرر من المكان الذي كان مختبئ فيه. يطير أمامي لقد أصبح الموقف مشوش.
- مددت يدي اليسرى لكي أبعده من عيوني عدة مرات لكن لم أتمكن من ذلك. تركت الأمر لكي لا يلهيني ذلك الزنبور اللعين عن المهمة الرئيسة، عملت مناورات ودورانات مختلفة أختفى الزنبور الى غير رجعة (هسه وكتك).
- استمرت المراقبة البصرية للبحث عن الهدف مع تقليل السرعة وعمل دورانات وقلب الطائرة في كل الاتجاهات لم أرى شيئاً يذكر. استمر البحث قرب منطقة زمار والمناطق المجاورة.
يبدو لي أن الطيار الايراني قد شعر أو شاهد طائرتي وأنا أحوم في الاجواء فأثر أن يترك المهمة ويعود هارباً بأتجاه الحدود العراقية الايرانية لان مهمته قد كشفت.
جاء نداء مسيطر قاطع الدفاع الجوي... علي تغيير اتجاهي نحو الهدف شمالاً لقد تم كشفه وهو بأتجاه مدينة عقرة مستفيداً من السلاسل الجبلية والوديان للاختفاء في طريق عودته.
قمت بزيادة سرعة طائرتي والدوران بالاتجاه الذي أعطاه مسيطر قاطع الدفاع الجوي. لحقت بالهدف وشاهدته وأنا باتجاه مدينة عقرة بدأت بالتقرب. شاهدت تريل خط محرك طائرته بمسافة أكثر من 35 كم تقريباً. حسب المعلومات التي أعطاها مسيطر رادار الدفاع الجوي.
كانت الطائرة الايرانية تطير بقرب الجبل المحاذي لمدينة عقرة، قمت بالاستعداد وفتح الرادار وفتح زر اطلاق الصورايخ وتعمير المدفع بدأت بالتقرب أكثر وبدأت المسافة تقل بيني وبين الطائرة المعادية.
لقد كان الدخان ليس نتيجة إسقاط حمولة الطائرة؟ بل كان هذا الدخان هو نتيجة اصطدام الطائرة بالأرض .
بلغت مسيطر قاطع الدفاع الجوي بأن الطائرة الايرانية اصطدمت بالأرض... وأنا الآن فوق الحطام وتم تحديد الموقع وأن الطيار قد ترك الطائرة وقفز بالمظلة وعرفت ذلك عند شاهدت مظلة القذف بجانب حطام الطائرة.
أظن أن الطيار بعد أن تمكنا من منع وصوله الى الهدف بسبب وجودي فوق سد الموصل أثر الهرب. وكشف موقعه ونتيجة الملاحقة تصور أنه محاصر أو لسبب ما لربما عطل الطائرة ولكن النتيجة واحدة .
بعد ذلك تسلقت الى ارتفاع 2 كم والعودة الى قاعدة فرناس الجوية والنزول بسلام ..
ذهبت طائرات الانقاذ للبحث عنه وإلقت القبض عليه ونقل الى قاعدة فرناس الجوية وتم ذلك بالسرعة الممكنة والرجوع الى قاعدة فرناس الجوية.
أتصل من مقر القاعدة ضابط الركن طالباً مني الحضور الى مقر القاعدة، ذهبت من غرفة الاستعداد حاملاً معي معدات الطيران خاصتي و"الكراش هلمت" في يدي، وصلت الى غرفة ضابط الركن فأشار لي أن آمر القاعدة يريدك في بهو المقر.
دخلت الى البهو بعد أن اديت التحية العسكرية ووجدت أن هنالك جمهرة من الضباط تحيط بالمكان، رد أمر القاعدة التحية وقال أهلاً وسهلاً.
كان أمر القاعدة العميد الطيار الركن قيس ربيع جالساً ومقدم طيار حسن بشير أمر السرب ويتوسطهم شخص طويل القامة أحمر الشكل يحمل رتبة عقيد غيررتبنا وأمام الجميع أقداح من الشاي من أصول الضيافة.وكان ضابط الاستخبارات أيضاً جالساً بجانبهم.
في هذه اللحظة عرفت أن الرجل الطويل، أحمر الشكل هو العقيد الطيار الإيراني الذي سقطت طائرته للتو؛ نظر أمر القاعدة باتجاهي مبتسماً وأقرأ في عينيه علامة الانتصار والفخر.
غير آمر القاعدة نظره عني وأشار بالعين للعقيد الطيار الأسير الإيراني فيما معناه أن هذا الملازم الطيار العراقي الذي حاصرك وكان يلاحقك.
لقد كان التعامل الإنساني مع العقيد الطيار قائد طائرة F-5 مثل معاملة الضيف.
أن عمليات تدمير السدود معقدة بشكل كبير ولم تنجح الهجمات الخاطفة في تدمير السدود إلا قليلا، لكنها ليست مستحيلة.
لو تتبعنا تاريخ العمليات وصل عددها إلى نحو 25 عملية في مناطق مختلفة حول العالم، لم تنجح منها واحدة في تدمير سد بشكل كامل، بل أدت إلى بعض الأضرار الجانبية التي سرعان من تم إصلاحها على الفور.
الذهاب لمقال أخر من هنا