الإمام مسافر" قصة فاضل كندوري من قصص الحشيشة
بقلم... الاستاذ عامر كامل.
الحشيشة 2، من مذكرات الماضي الجميل هنالك بين البساتين مرقد الامام مسافر" قصة فاضل كندوري وسعيد ليلان وقصة من قصة متعاطي الحشيشة.
طريق المحطة والامام مسافر:
الطريق إلى محطة القطار يخترق سلسلة من البساتين على جانبيه تبدأ من الساحة التي تتفرع منها الطرق إلى محلة "الرمادية" ومركز السوق المنتهي بالساحة التي تقع على طرفها مقهى "رحمن سفر" ومطعم "سراب" والشارع المؤدي إلى الحي العصري والأخير المؤدي إلى المحطة .
في فصل الربيع تزهر أشجار الحمضيات وزهورها تسمى "القداح" الذي يتناثر شذاه الزكي برائحة من أجمل الروائح التي لا تضاهيها حتى العطور الباريسية الرهيبة، وتمتد على جانبي الطريق ساقيتين تتفرعان من نهر الشاخة يستخدم مائهما لري البساتين.
في الليل تمتزج رائحة القداح بنسمات عذبة تهب من أطراف الفضاء المفتوح قرب المحطة و تعانق سطح مياه " الشاخة " لتتشبع بالرطوبة وتغلف الأجواء في قلب الشارع بالشاعرية.
الطريق من بعد محطة القطار يفضي إلى قرى "سنسل" التايهة " وحنبس " إسيود" العالي" لذا فهو نهارا ً يكون مطروقا ً من قبل الذاهبين والقادمين من وإلى تلك القرى.
بالإضافة إلى المسافرين إلى جلولاء و كفري و كركوك عبر محطة القطار الصاعد من محطة "شرقي بغداد " إلى كركوك.
في الليل يصبح ملتقى للعشاق وملاذاً للشباب الذين يتناولون الخمرة ويستمعون إلى السيدة أم كلثوم متخذين من حافات السواقي مجالسا ً لهم.
لأنهم يخجلون من الذهاب إلى نادي الموظفين، الكائن في أطراف القضاء؛ حتى لا تنكشف أسرارهم وتتناهى الأخبار إلى ذويهم، فيتعرضون لعقوبات قاسية من قبل الآباء، التي قد تصل في بعض الأحيان إلى الطرد من البيوت.
وصف مرقد الامام مسافر:
وسط الطريق يوجد تفرع من ناحية اليمين وأنت ذاهب إلى المحطة يخترق البساتين ليصل في نهايته إلى حافة النهر "الشاخة" ويتفرع من هناك إلى فرعين:
الأيمن يقودك إلى المدينة والأيسر يقودك إلى مشروع ماء المدينة ومحطة الكهرباء الرئيسية القديمة ومنها صعودا ً إلى أطراف محطة القطار حيث الطريق إلى القرى التي ذكرناها سابقاً.
مقابل هذا التفرع تقع بستان بابها مفتوح دائما ً يوجد فيه ضريح بنيت عليه قبة من الطين يسمى محلياً "الإمام مسافر".
التي تدمج عند اللفظ لتصبح "إمام سافر" في الروايات أن هذا الضريح يعود للإمام "عبدالله " إبن الإمام "موسى الكاظم" الذي وافته المنية هنا، وهو في طريقه إلى مدينة "قم" في إيران لزيارة ضريح قريبه الإمام "موسى الرضا" المدفون هناك بعد وفاته فيها.
الضريح أيضا كان مكشوفا ً بدون قفص و كان بناء القبر من مادة الطين المجفف في الشمس " اللبن " بعد تقطيعه ضمن قوالب مخصصة لهذا الغرض يحتوي كل قالب منها على أربع خانات الواحدة منها تعادل في الحجم طابوقتين أو أكثر.
كانت النساء تزور هذا الضريح عصر كل يوم خميس حاملات الشموع و الحناء و بعد أداء مراسم الزيارة وطلب النذور ترمي كل واحدة منهن بقطعة نقود على القبر و من ثم يقفلن عائدات إلى بيوتهن .
العيد والامام مسافر:
العيد في شهربان له طقوس ووقفات تقسم أيامه عليها:
- كان اليوم الأول صباحا ً يقضى في وقفة الشيخ مختار.
- واليوم الثاني في وقفة في مرقد المقداد .
- والثالث ، في وقفة في الإمام سافر.
وقفة اليوم الثاني تأخذ كل مساحة الشارع من محطة القطار وحتى مدخل المدينة ومحورها الرئيس هو مرقد الإمام "عبد الله بن الكاظم" حيث تتجمهر القرويات في مجاميع تقضي النهار في صفقات وزغاريد.
بينما يتراقص الرجال منهم على أنغام الطبل والمزمار مؤدين رقصة "الجوبي" ومن اللطائف التي كنا نسمعها منهن وهن يغنين هذه الإهزوجة البسيطة في كلماتها والعميقة في معانيها :
" أبو عكال لا تنقهر ... تره الأفندي كاله " هههههههههههههههههههههههه .
كانت هذه الأهزوجة تستجلب ضحكاتنا المستمرة ونحن مارين من أمامهن بملابسنا الجديدة بمناسبة العيد.
قصة فاضل كندوري والحشيشة:
كان الضريح من ناحية أخرى ملاذ "شلة الحشيش" حيث يقومون بجمع المبالغ التي وضعتها النساء مساء كل يوم ويذهبون بها لشراء ما يضمن لهم الإنتعاش.
كانوا مستمرين على هذا المنوال، كل يوم ونهاية كل أسبوع .
إلى أن جاء اليوم الذي كان المرحوم "سعيد ليلان" أثناء عمله مع المرحوم "عباس أوح" في مطعمه الشهير بالكبة اللذيذة...
إذ تعرض سعيد ليلان لمشكلة عائلية؛ دعا الله أن حلت هذه المشكلة، نذر لوجه الله أن يتطوع من دون مقابل على خدمة ضريح الامام مسافر مساء كل يوم.
ومن ثم جلب الماء بالجردل من الساقية التي تخترق البستان ليرش الأرضية الترابية، ويأخذ له نصف ساعة أو أكثر في قراءة القرآن...
قبل مغيب الشمس كان يؤدي مراسم الزيارة من دوران حول القبر مقروناً بالدعاء وقراءة الآيات القصار من القرآن.
بعمله هذا قد فوت على "شلة الحشيشة" مسألة سلب النقود من فوق القبر والتي اعتادوا عليها لشراء عدتهم من الحشيش...
الأمر الذي يستوجب عقد إجتماعات كثيرة بينهم للتداول في أمره وبحث الكيفية التي سيصلون فيها إلى النقود.
لأن موضوع الذهاب ليلا ً لجمع النقود كانت خارجة عن التصور بسبب ما زرعه الأهالي في أذهانهم وأذهاننا جميعاً، من أمور خارجة عن المنطق، لكنها كانت سائدة في تلك الأيام.
من قبيل المثال كان يشاع عن رؤية الشيخ مختار مساء كل يوم وهو يذهب إلى الشاخة ليتوضأ استعداداً للصلاة، أو خروج الموتى من قبورهم التي تحيط بالأضرحة من كل جانب، وعن مشاهدات كثيرة للجان و الأرواح الشريرة.
مكيدة فاضل كندوري:
في أحد تلك الاجتماعات تصدى" فاضل كندوري" للموضوع عارضاً بأنه سيجعل مسألة ذهاب" سعيد " لخدمة الضريح في خبر كان طالباً أن لا يسأله أحد عن كيف ومتى؟
ظل "فاضل كندوري" يراقب "سعيد ليلان" أياماً معدودة ليتمكن من ضبط موعد المغادرة من المطعم نحو الضريح بشكل تقريبي حتى توصل إلى موعد معين.
ذات يوم ما أن أبتدأ" سعيد ليلان بتجميع الكراسي تمهيداً لإدخالها المطعم إيذاناً بانتهاء يوم العمل حتى إختفى " فاضل كندوري" من موضع المراقبة.
دقائق وامتطى "سعيد ليلان" دراجته الهوائية متوجها ً نحو الضريح.
ما أن وصل سعيد ليلان هناك مكان الضريح، حتى أبتدأ بمهامه اليومية من كنس ورش وصولا ً لأداء مراسم الزيارة مثل كل يوم...
لكن " فاضل كندوري" الذي كان قد سبقه إلى مكان ضريح الامام مسافر، كان قد تجرد من كامل ملابسه ودخل غرفة الضريح قبل أن بصل سعيد ليلان.
إختبأ فاضل كندوري وهو متجرد من الملابس كما ولدته امه! خلف القبر من الجهة المقابلة للباب قبل وصول سعيد ليلان.
كان هنالك في الضريح شباك صغير ينفذ منه نور الشمس إلى داخل الغرفة.
ما أن دخل "سعيد ليلان" الغرفة مبتدأ ً لفته حول القبر حتى كان "فاضل كندوري قد لف هو أيضا ً ليكون على الجانب المقابل له دون أن يراه " سعيد ليلان.
كان سعيد ليلان قد أصبح في المكان الذي كان "فاضل كندوري" يختبئ فيه، وأصبح فاضل في لفتة عند الباب وما أن استرسل سعيد في مناجاة الإمام والدعاء...
حتى برز له "فاضل كندوري" واقفا ً وأشعة الشمس تسقط على جسده الأسمر وقامته القصيرة وهو يقول :
- تتدلل كل اللي تريده أيصير؟
سقط "سعيد ليلان" مغشياً عليه!.
لملم "فاضل كندوري" الدراهم وركض خارجاً ليرتدي ملابسه في الباحة الأمامية للضريح ويخرج من بين الأشجار دراجة هوائية.
كان قد أستخدمها ليصل إلى المرقد قبل "سعيد ليلان" ويقفل عائدا ً إلى المدينة ليلتقي بالشلة.
صحا " سعيد " من إغمائه وهو يرتجف ذهب إلى الساقية يغرف الماء ويرميه على وجهه وهو لا زال في عز الصدمة لا يريد أن يصدق ما جرى؟
لكنه في قرارة نفسه لا يريد أن يكذب عينيه.
" فاضل كندوري" مخاطبا ً الشلة :
- لن ترون " سعيد ليلان" ذاهبا ً لأداء مهامه اليومية هناك بعد اليوم؟
لا أريد أحد منكم أن يسألني كيف ولكني أضمن لكم الدراهم التي نجلب بها الحشيش.
" سعيد ليلان" موضحاً لمن يسأله عن سبب انقطاعه عن الزيارة :
- قابل أنا جايز من روحي ... بابه دا أدعي من الله بجاه الإمام وإذا القبر ينشق ويخرج منه الإمام بشحمه ولحمه و يقول لي :
كل ما تريده سيصبح حقيقة. بعد ما أوصل هناك لو ما أدري شيصير.
رحم الله أبناء مدينتي الأحياء منهم والمتوفين.
-آفة تعاطي المخدرات " الحشيشة 1" قصة الشلة.