الرسالة الأمريكية المركبة: أبعاد وتداعيات الضربة الجوية
الضربة الأمريكية: رسالة متعددة الأوجه الضربة الأمريكية التي استهدفت قاعدة الشعيرات، المشتركة بين سوريا وروسيا وإيران، لم تكن مجرد عملية عسكرية تقليدية، بل كانت رسالة سياسية مركبة أُرسلت إلى عدة أطراف دولية. فهل ستستجيب هذه الأطراف للرسالة؟ وكيف سيكون الرد؟
![]() |
الرسالة الأمريكية المركبة: أبعاد وتداعيات الضربة الجوية |
توجيه الضربة الامريكية للقاعدة مشتركة بين سوريا وروسيا وإيران كانت رسالة مركبة, أرسلت لأكثر من عنوان والى اكثر من طرف فهل تستلمها الأطراف المرسلة لها, وتتعامل مع فحواها ؟ وهل ترسل الرد؟ وكيف سيكون الرد؟
قاعدة الشعيرات: أهمية استراتيجية وتأثير الضربة
تُعد قاعدة الشعيرات من أهم القواعد الجوية السورية، حيث تمثل حوالي ربع القدرة الجوية السورية. وكان اختيارها كهدف عسكري من بين عدة خيارات متاحة أمام الرئيس الأمريكي حينها، دونالد ترامب، يهدف إلى إيصال رسالة سياسية قوية للعالم ولأطراف النزاع في سوريا.
هذه الضربة لم تكن مجرد تحرك عسكري، بل أعادت رسم ملامح الموقف الأمريكي في المنطقة، كما أعادت تقييم السياسة الأمريكية وآلية اتخاذ القرار. قاعدة الشعيرات مشتركة وتمثل ربع القدرة السورية الجوية وهي من ضمن خيارات عديدة, وضعت أمام الرئيس ترامب واختار أكثرها تاثيراّ كرسالة سياسية شاملة للعالم, ولأطراف النزاع في سوريا تمثل إعادة صياغة الموقف الأمريكي, وإعادة النظر في السياسة الأمريكية وطريقة اتخاذ القرار.
الأنظمة الدكتاتورية وسيناريوهات السقوط
عندما يرفض الشعب نظامًا دكتاتوريًا، يكسر حاجز الخوف ويصبح الموت خيارًا محتملاً، تتشابه كل السيناريوهات الممكنة في نهاياتها. في مثل هذه الظروف، تلجأ الأنظمة المستبدة إلى تحالفات جديدة بهدف البقاء، لكنها في المقابل تتسبب في اختلال موازين القوى، ما يؤدي إلى صراعات طويلة الأمد.
الانظمة الدكتاتورية حين يرفضها الشعب ويخرج عن سكوته ويكسر حاجز الخوف, بعد ان يصبح الموت حتمياّ وقائم فتكون كل الخيارات نهايتها واحدة, فيكون الخيار الأصعب متماثلاّ مع الخيار الأسهل وحينها لن يعود الشعب حين يغادر خوفه, مهما كان المصير وفي ظل هكذا مشهد تلجأ الأنظمة لتحالفات متحركة تشكل ضرورة بقاء, بدوافع المصالح وهذه تخل بتوازنات القوة والنفوذ في المنطقة والعالم تدفع لصراع يطول ولكنه لابد أن يحسم.
التغيرات الدولية وتأثيرها على النزاعات
الحروب والصراعات دائمًا ما تتأثر بتغير القيادات السياسية في الدول الكبرى، حيث تختلف الأولويات والاستراتيجيات وفقًا لرؤية القادة الجدد. هذا ما حدث عبر التاريخ، من الحربين العالميتين إلى انهيار الاتحاد السوفيتي، ثم بروز الإرهاب كعدو عالمي، مرورًا بغزو أفغانستان والعراق بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث أتاح الصمت الدولي والإقليمي الفرصة لواشنطن لفرض سياساتها العسكرية.
والحسم له عدة وجوه ويرتبط بتبدلات مواقف قوى عظمى, نتيجة صعود رؤساء لهم فريقهم وسياستهم ودوافعهم ورؤيتهم للصراع . وهذا ما حدث في صراعات عديدة تغيرت نتائجها بتغير طبيعة الحكام في دول كبرى ومؤثرة منذ الحرب العالمية الأولى. وما تبعها والتانية وتغيير العالم وخارطته السياسية بصعود الاتحاد السوفيتي.
وهو ذات التبادل الاستراتيجي حين زوال الاتحاد السوفيتي, وبروز الإرهاب كعدو مفترض أصبح قائم بوصول المحافظين الجدد وبوش الابن. وتخطيط مخابراتي لتنفيذ ضرب أمريكا في 11 سبتمبر وما تبعها من تغيرات, بغزو أفغانستان والعراق وسط صمت عالمي وسكوت إقليمي تحت خوف من شمول الدول وأنظمتها بالتغيير.
الدور الروسي في الصراع السوري
الصراع السوري ظل الأبرز في المنطقة بسبب التدخلات الدولية، خاصة بعد صعود روسيا كلاعب رئيسي يسعى لاستعادة مجده ونفوذه. استفادت موسكو من حالة التردد في القرارات الأمريكية خلال إدارة أوباما، وتمكنت من تشكيل تحالفات استراتيجية أعادت رسم توازنات القوى.
وكان ياما كان في ليالي وايام وخريف وربيع حتى الصراع السوري الذي ظل الأبرز في المنطقة دون حسم نتيجة بروز روسيا كقوة طامحة بارث يبحث عن إعادة مجد وقوة ونفوذ وإعادة ما يمكن إعادته وكانت سوريا تمثل أفضل المتبقي.
واستثمرت روسيا الأوضاع الدولية ولملمت الدول المضادة والمتارجحة في حلف الضرورة وسط تذبذب قرارات أوباما وتراخيه عن الانخراط في صراعات المنطقة بعد الانسحاب منها.
السلاح الكيماوي وتداعياته على الموقف الأمريكي
في عام 2013، كاد استخدام السلاح الكيماوي أن يحسم الصراع السوري، لكن الولايات المتحدة فضّلت تفكيك الترسانة الكيميائية السورية باتفاق أممي، مما منح النظام السوري فرصة للبقاء. هذا القرار جاء نتيجة لنهج أوباما الدبلوماسي، الذي تجنب التدخل المباشر، متأثرًا بتجارب العراق وليبيا وأفغانستان.
وكان استخدام السلاح الكيمياوي سنة 2013 نقطة كادت ان تحسم الصراع, ولكن الحسم الامريكي تأجل نتيجة الميل لتفكيك السلاح الكيماوي السوري, باتفاق أممي ودولي. كان بمثابة طوق نجاة للموقف الأمريكي المتراخي والنظام السوري الذي استلم نصيحة حلفائه, بضرورة المضي بهذا النهج. فهو يطيل عمره إن لم يبقيه مستغلاّ ميول أوباما الدبلوماسية ورفضه استخدام الضربات المباشرة والتدخل المباشر. ونتائجه التي كلما وضعت خياراتها أمامه لاحت أمامك صورة العراق وليبيا وافغانستان.
الدكتاتوريات والقرارات المصيرية
الأنظمة الاستبدادية غالبًا ما تخطئ في قراءة المتغيرات الدولية، حيث تعتمد على تحالفات هشة ومتغيرة. تتوهم هذه الأنظمة أن التحالفات الظاهرة تمثل الصورة الكاملة، لكنها تغفل التحركات السرية والتوازنات المتحركة في لعبة المخابرات الدولية، مما يؤدي بها إلى السقوط في النهاية.
ولكن الأنظمة الدكتاتورية دائماّ ما تجر نحو حتفها وتستلم رسائل متضاربة, تدفعها وسط موقف ضبابي توضع فيه الاختيار الاصعب وركوب موجة العنف. واستخدام نفس الوسائل بحثاّ عن نفس النتائج ولكنها لا تدرك التبدلات الدولية. فهي دوماّ تخدعها المواقف الظاهرة من جبل الجليد التي يختفي الجزء الأكبر والمدمر تحت الماء.
وهي تمثل التحالفات المتحركة المضادة بين الخصوم أنفسهم, في سياسة تقاسم النفوذ ومتغيراتها السرية في اتفاقات المخابرات ولعبها النارية الخطرة. التي تغير اللعبة وتحالفاتها وتغير المواقف, وتدفع لقرارات سريعة تقلب المشهد بطريقة دراماتيكية, لا تتمكن الأنظمة من بلوغ سرعتها فتسقط في أسوأ أفعالها.
السيناريوهات الاستخباراتية وحسم الصراعات
العمل الاستخباراتي هو سلاح ذو تأثير قوي في رسم مسار الصراعات، حيث تُدار النزاعات وفق سيناريوهات محكمة تشبه الأفلام السينمائية، من تحديد الأدوار إلى رسم النهايات. القوى العظمى لا تترك الأمور للصدفة، بل تعتمد على التخطيط المحكم لتحقيق أهدافها.
وهذا ما حدث في العراق وليبيا ويحدث الآن في سوريا فللعمل السري سحره وللفعل المخابراتي. ادواته الحاسمة وخطورته وتأثيره على المواقف والقرارات في عملية سيناريو سريع مخطط له بعناية فائقة ودقة متناهية. وينفذ بحرفية ومهنية خبيرة بالنزاعات والصراعات وقلبها للحصول على النتائج المطلوبة وبامتياز.
فالسيناريوهات أسلوب المخابرات في بداية مقررة ونهاية مقررة تشبه الأفلام السينمائية في السيناريو والإخراج ورسم الأدوار. وأدائها واختيار الابطال وتحديد البداية والنهاية المقررتين. أما السياسة فهي لعبة الانظمة والدول وهي بداية مقدرة لنهاية قد تخدم الأهداف والسياسة, وفق هذا تتبع السيناريوهات وأفعالها.
السلاح المحظور ومعادلة النفوذ العالمي
استخدام أسلحة الدمار الشامل يخضع لحسابات استخباراتية دقيقة، حيث يتم توظيفها لتجريم الأنظمة أو لفرض قرارات دولية. في المقابل، يبقى السلاح التقليدي أكثر رواجًا في الحروب، حيث يُسمح باستخدامه لكنه يظل أداة ضغط ضمن معادلات النفوذ.
أي إرادة وقوة تخطيط وتنفيذ واي بيئة هشة تخلقها المخابرات وسيناريوهاتها لتحقق التبدلات الدولية لحسم الصراعات؟ إنه سلاح التدمير الشامل الذي من أي منفذ يمر فان للمخابرات نسخة من فواتيره ومن رجال ينقلوه ومصانع تصنعه وتبيعه.
ولن يمر دون علمها ولم يستخدم إلا بإرادتها وبسيناريو محبك, حيث يستخدم لكي يجرم نظام ويمنع استخدامه لكي يبقى السلاح التقليدي المربح أكثر رواجاّ واستخداماّ. وهو غير محظور في معادلة لا تمنع انتشار سلاح التدمير الشامل ولكن تحظر استخدامه وباستخدامه تقوم الدنيا ولا تقعد, إلا بالحسم وهكذا تتورط الأنظمة وتكون الشعوب ضحية اللعبة.
الرسائل السياسية والتحالفات المتغيرة
السياسة الدولية ليست ثابتة، والتحالفات تتغير بناءً على المصالح المتجددة. القوى الكبرى، رغم قوتها، ليست مستقلة في قراراتها، بل تتحكم بها شبكات معقدة من المصالح الاقتصادية والعسكرية والاستخباراتية. هذه الشبكات هي التي ترسم ملامح العالم الجديد، بينما تظل الأنظمة الدكتاتورية حبيسة نهجها التقليدي، حتى تسقط في النهاية ضحية لسياسات أكبر منها.
الرسائل في لعبة الأمم سياسية وكذلك في التحالفات المتحركة التي ستتشكل من جديد بشكل آخر وفق تغير المواقف وتبدل القرارات الحاسمة. والرسائل لها فعل مخابراتي يرسم تقاسم النفوذ وتوازنات متحركة للقوة على ضوء نظام دولي جديد, يرسمه الكبار. وهم ليسوا ملك أنفسهم بل ملك القوى العظمى التي يحركها حلف السلاح والسياسة ورأس المال.
الذي يلجأ للمخابرات لترسم له المسار المؤمن للمصالح وتراكم الثروة والنفوذ والقوة بسيناريوهات تسبقه سياسات. وتتبعه سياسات في عالم يتغير والانظمة الدكتاتورية تقليدية تتغير ولا تغير نهجها التقليدي. وتسقط في وحل جرائمها وارتباطاتها بالمخابرات الدولية وتصير شهيدة وتبقى بطلة تصدت وعملت ما مطلوب منها على مدى تصور الشعوب الحائرة.