"الكتاب المفتوح – رحلتي الى الاتحاد السوفيتي عام 1979"
الأدب الرسم في السفر
الفصل الحادي عشر
الكاتب/ داود سلمان الشويلي
الحلقة / 11 من كتابي (الكتاب المفتوح - رحلتي الى الاتحاد السوفيتي عام 1979). الأدب الرسم في السفر
قرأت في رواية " كلب الصيد الأبيض ذو الأذن السوداء" للكاتب الروسي جافريل تروبيولسكي الأبيات الأتية :
الثقافة هي أن تعرف نفسك والآخر والأشياء من حولك، ولما كنت أعرف نفسي جيدا، من حيث مكوناتها وخصائصها ومراميها وغاياتها وما تريد وما لا تريد، فكان ما ينقصني معرفة الآخر البعيد عني، والأشياء البعيدة عني، وهذا ما سعيت له في رحلتي إلى الاتحاد السوفيتي، فكان استغلال إرسالي من قبل الدولة العراقية لهذا البلد خير استغلال بما له علاقة بالثقافة والأدب.
الأدب في أي مكان وزمان، قراءة وكتابة، وليس لها وقتا خاص، وحتى السؤال الذي يوجه للكاتب عن وقت الكتابة؟ فهو سؤال غير ذي فائدة أمام الكاتب الذي تشغله أمور الحياة كما في حالة كتابنا التي لم تدر عليهم ما ينتجوه من كتب المال الذي يمدهم بالمصروف العائلي والشخصي.
لم أصطحب أي كتاب أدبي معي لأنني فكرت في أن الدولة الذاهب إليها دولة متقدمة في مضمار الكتابة الأدبية، فقد برزت فيها على المستوى العالمي كتاب كبار، يكفي أن يكون من بينهم تولستوي، وديستيوفيسكي، وغوركي، وبوشكين، وبوشكين، ومايكوفسكي، وغيرهم من الكتاب الذين تتلمذت على كتاباتهم في فجر حياتي الأدبية.
إلا أن الفرصة لم تتح لي في موسكو أن أحصل على أي كتاب باللغة العربية من مطبوعات دار التقدم المشهورة، وفي مدينة إيفانوفا أيضا، لم أهتدِ إلى مكتبة تعرض الكتب باللغة العربية.
كان مترجماً اشتهر بيننا في المدرسة التي كنا ندرس فيها باسم "أليكسي التكريتي"، فسألته عن لقب التكريتي، أخبرني أنه خدم في كلية القوة الجوية العراقية في تكريت كمترجم مع الخبراء الروس بعد تخرجه من معهد اللغة العربية.
وكان على الذين يذهبون إلى الدول العربية أن يقدموا عند عودتهم، وهي فترة سنتين، دراسة عن لهجة البلد الذي يخدم فيه، فكتب بحثا طويلا يقع في جزأين عن الأمثال والتقاليد والحكايات الشعبية في تكريت، ولهذا اكتسبت هذا اللقب، لأنه أصبح منهم(وضحك).
سألته إن كان يعرف مكانا يباع فيه الكتاب العربي في مدينة ايفانوفا؟
فاخبرني أنه لا يوجد.
في اليوم الثاني اهدي لي جزئي بحثه، وكتاب صغير لمؤلفين روس عن الأدب العربي باللغة العربية اسمه (أبحاث سوفيتية في الأدب العربي) ( ) الذي طبع عام 1978 في دار التقدم بموسكو.
وضم دراسات عن الأدب العربي القديم والحديث، وقد كتبت عنه مقالا نشر في مجلة الطليعة الأدبية في ثمانينات القرن الماضي.
أجريت مع (اليكسي التكريتي) حوارا مع تقديم للجزأين نشر في أحد أعداد مجلة التراث الشعبي نهاية التسعينيات، أو بداية الألفية الثالثة.
كان أول لقاء لي بالأدب الروسي مع رواية "الأم" لمكسيم غوركي، وقد ابتعتها من إحدى مكتبات الناصرية، وأنا تلميذ في الصف الأول متوسط، أي بعمر ثلاث عشرة سنة.
بعدها قرأت كل مؤلفات الكاتب ديستيوفسكي بترجمة سامي الدروبي، وابتعت مجموعة رواياته في صندوق كارتوني واحد بمبلغ أكثر من 100 دينار في الثمانينيات وقد سرق مني الصندوق وما يحوي خلال العدوان الأمريكي على العراق واحتلال القاعدة التي كنت أعمل فيها عام 1991.
حكاية الأمثال:
المثل الشعبي هو خلاصة التجربة الإنسانية، ويبنى بكلمات قليلة، وبعبارة قصيرة، وبعض الأحيان نقول نحن العراقيون، أو أصدقاؤنا الروس بعض هذه الأمثال لسبب ما.
ومن هذه الأسباب ورود هذا المثل الذي جرى على صديقة زميلي عندما كانت تتحدث مع زميلتها الروسية وقد أخبرت صديقها العراقي، زميلي الضابط.
سألني زميلي م، (ج) هل عندنا مثل يشبه هذا المثل الروسي؟ وذكر ترجمة للمثل باللغة العربية.
(في الغابة لا يتاجرون بالحطب, وعلى ضفاف البحيرة بالسمك ).
وأصله في اللغة الروسية كما مكتوب في دفتره، وقد كتبته صديقة بهذه اللغة.
(В лесу они не торгуют дровами, а берега озера - рыба،)
قلت له:
- ومن أخبرك به، أو سأل عنه؟
قال:
- صديقتي...
قلت له:
- نعم عندنا مثل يشبهه، وذكرت المثل العربي له، وهو (لا تبع الماء بحارة السقايين).
وسألنا أحد الضباط الذي درس في روسيا وهو ر، (خ) فترجمه لنا:
(Не продавайте воду для моряков)،
أثناء الاستعداد لرحلة العودة إلى العراق، بقينا أسبوعا في موسكو ننتظر الطائرة العراقية لتقلنا إلى الديار، في هذه الفترة زرت الكثير من مناطق موسكو الجميلة، ومرة اقترحت على بعض الزملاء الضباط أن نزور بانوراما موسكو، ذهبنا إليها، وكان صف المنتظرين طويل، فذهبت إلى المسؤول وأخبرته أننا عراقيون وعلينا أن نغادر في الغد وجئنا لزيارة البانوراما فأرجو أن يسمح لنا بالدخول دون الوقوف في الصف، قبل المسؤول ودخلنا.
كانت البانوراما تحكي معركة واترلو بين الروس والفرنسيين بقيادة نابليون، وكانت في القاعة صور معلقة على الجدار لقادة عسكريون، وهناك مرشد سياحي ومعه "ڴروب" سياحي أجنبي.
في عام 1980 أقيمت الندوة العربية الثانية للفلكلور (1 – 5 أيلول 1980 ) وقد شاركت ببحث بعنوان (وحدة التراث الشعبي العربي – مدخل تاريخي للوحدة العربية من خلال القصص الشعبي العربي).
وقد شارك في الندوة مجموعة من الباحثين العرب والأجانب وكان الدكتور شرباتوف أحد المشاركين فيها، وقد توثقت علاقتي به، وزرته عندما ذهبت إلى موسكو أثناء سفرتي الثانية عام 1982، في مكان عمله، وأظنه معهد الاستشراق في موسكو، وقد أخبرني أن أعداد مجلة "الثقافة" التي نشرت فيها مجموعة كثيرة من دراساتي عن الشعر العامي العراقي موجودة في المعهد، وكذلك أعداد من مجلة التراث الشعبي العراقية التي نشرت فيها دراساتي التراثية.
أحمل أنا جينات الثقافة المزدوجة، أو التي سماها الدكتور على الوردي بالشخصية الازدواجية، إذ إنها تحمل قيم الحضارة والبداوة في الآن نفسه، فالعراق بلد نهري يمكنه أن يبني حضارة له وهذا ما كان، وفي الوقت نفسه هو قريب من الصحراء، والقبائل البدوية تفد له، ويمكنه أن يكون بلداً صحراويا، بدوي، إضافة لكونه بلدا حضاريا، لهذا فانتقالي من ذلك المجتمع إلى المجتمع الروسي، الثلجي، يمكن أن يكون صعبا بالنسبة لي ويحتاج إلى وقت طويل.