recent
أخبار ساخنة

الكتاب المفتوح" رحلتي الى الاتحاد السوفيتي عام 1979" الأدب والرسم في السفر

Site Administration
الصفحة الرئيسية

الكتاب المفتوح" رحلتي الى الاتحاد السوفيتي عام 1979" الأدب والرسم في السفر

الأدب والثقافة هما نافذتان تطلان بنا على عوالم مختلفة، تجمع بين متعة الاكتشاف وتعزيز الفهم. رحلتي إلى الاتحاد السوفيتي عام 1979 كانت بمثابة تجربة فريدة أتاحت لي الغوص في أعماق الثقافة الروسية والتعرف على تراثها الأدبي والفني.

الكتاب المفتوح" رحلتي الى الاتحاد السوفيتي عام 1979" الأدب والرسم في السفر

الكتاب المفتوح" رحلتي الى الاتحاد السوفيتي عام 1979" الأدب والرسم في السفر

الفصل الحادي عشر

"الكتاب المفتوح – رحلتي الى الاتحاد السوفيتي عام 1979" فندق المعسكر، وصفّ الدرس، والليمونادا

الكاتب/ داود سلمان الشويلي
الحلقة / 11 من كتابي (الكتاب المفتوح - رحلتي الى الاتحاد السوفيتي عام 1979). الأدب الرسم في السفر.

الأدب: مفتاح فهم الثقافات

خلال الرحلة، كانت الأدب والثقافة في مقدمة اهتماماتي. الأدب هو الوسيلة التي تعرفنا بأنفسنا وبالآخر، ويمثل مرآة الشعوب وأحلامها. بدأت علاقتي بالأدب الروسي منذ سنوات طويلة بقراءة رواية "الأم" لمكسيم غوركي، ثم تتبعت أعمال ديستويفسكي بترجمات سامي الدروبي التي أثرت بعمق في مسيرتي الأدبية.

أعزُّ مكانٍ في الدُّنى سرجُ سابحٍ                                 
             وخير جليسٍ في الزمانِ كتابُ
                                                المتنبي

قرأت في رواية " كلب الصيد الأبيض ذو الأذن السوداء" للكاتب الروسي جافريل تروبيولسكي الأبيات الأتية :

كلا، أنا لا اكتب ابتغاء للشهرة
لكن... ابتغاء للبهجة التي تخصني
ومن اجل الأصدقاء الطيبين، المحبين، والأوفياء،
ومن اجل ذكريات الأيام الخوالي

الثقافة هي أن تعرف نفسك والآخر والأشياء من حولك، ولما كنت أعرف نفسي جيدا، من حيث مكوناتها وخصائصها ومراميها وغاياتها وما تريد وما لا تريد، فكان ما ينقصني معرفة الآخر البعيد عني، والأشياء البعيدة عني، وهذا ما سعيت له في رحلتي إلى الاتحاد السوفيتي، فكان استغلال إرسالي من قبل الدولة العراقية لهذا البلد خير استغلال بما له علاقة بالثقافة والأدب.

الأدب في أي مكان وزمان، قراءة وكتابة، وليس لها وقتا خاص، وحتى السؤال الذي يوجه للكاتب عن وقت الكتابة؟ فهو سؤال غير ذي فائدة أمام الكاتب الذي تشغله أمور الحياة كما في حالة كتابنا التي لم تدر عليهم ما ينتجوه من كتب المال الذي يمدهم بالمصروف العائلي والشخصي.

تحديات البحث عن الكتب العربية

رغم غنى الأدب الروسي، كنت أسعى للحصول على كتب عربية هناك. لكن، لم أجد مكتبات تعرض كتبًا عربية سواء في موسكو أو في مدينة إيفانوفا. إلا أنني حصلت على كتاب "أبحاث سوفيتية في الأدب العربي" الذي ألهمني للكتابة عن التراث الأدبي المشترك.

لم أصطحب أي كتاب أدبي معي لأنني فكرت في أن الدولة الذاهب إليها دولة متقدمة في مضمار الكتابة الأدبية، فقد برزت فيها على المستوى العالمي كتاب كبار، يكفي أن يكون من بينهم تولستوي، وديستيوفيسكي، وغوركي، وبوشكين، وبوشكين، ومايكوفسكي، وغيرهم من الكتاب الذين تتلمذت على كتاباتهم في فجر حياتي الأدبية. 

إلا أن الفرصة لم تتح لي في موسكو أن أحصل على أي كتاب باللغة العربية من مطبوعات دار التقدم المشهورة، وفي مدينة إيفانوفا أيضا، لم أهتدِ إلى مكتبة تعرض الكتب باللغة العربية.

لقاء مع "أليكسي التكريتي"

في المدرسة التي كنت أدرس فيها، التقيت بمترجم يُدعى "أليكسي التكريتي". كان هذا الشخص مزيجًا من الثقافات، حيث خدم في العراق وعمل على دراسة اللهجات والتقاليد العراقية. أهداني كتابًا من أبحاثه عن الأمثال والتقاليد الشعبية في تكريت، مما عمّق فهمي للثقافة المشتركة بيننا.

كان مترجماً اشتهر بيننا في المدرسة التي كنا ندرس فيها باسم "أليكسي التكريتي"، فسألته عن لقب التكريتي، أخبرني أنه خدم في كلية القوة الجوية العراقية في تكريت كمترجم مع الخبراء الروس بعد تخرجه من معهد اللغة العربية. 

وكان على الذين يذهبون إلى الدول العربية أن يقدموا عند عودتهم، وهي فترة سنتين، دراسة عن لهجة البلد الذي يخدم فيه، فكتب بحثا طويلا يقع في جزأين عن الأمثال والتقاليد والحكايات الشعبية في تكريت، ولهذا اكتسبت هذا اللقب، لأنه أصبح منهم(وضحك).

سألته إن كان يعرف مكانا يباع فيه الكتاب العربي في مدينة ايفانوفا؟ 

فاخبرني أنه لا يوجد.

في اليوم الثاني اهدي لي جزئي بحثه، وكتاب صغير لمؤلفين روس عن الأدب العربي باللغة العربية اسمه (أبحاث سوفيتية في الأدب العربي) ( ) الذي طبع عام 1978 في دار التقدم بموسكو. 

وضم دراسات عن الأدب العربي القديم والحديث، وقد كتبت عنه مقالا نشر في مجلة الطليعة الأدبية في ثمانينات القرن الماضي.

أجريت مع (اليكسي التكريتي) حوارا مع تقديم للجزأين نشر في أحد أعداد مجلة التراث الشعبي نهاية التسعينيات، أو بداية الألفية الثالثة.

الكتاب المفتوح" رحلتي الى الاتحاد السوفيتي عام 1979" الأدب والرسم في السفر

التراث الشعبي العربي والروسي

كان للتراث الشعبي نصيب كبير من اهتماماتي، حيث شاركت ببحث في ندوة عربية تناول وحدة التراث الشعبي العربي. هذه التجربة دفعتني للتفكير في التشابهات والاختلافات بين الثقافات، وكيفية توظيفها لتعزيز التفاهم المشترك.

كان أول لقاء لي بالأدب الروسي مع رواية "الأم" لمكسيم غوركي، وقد ابتعتها من إحدى مكتبات الناصرية، وأنا تلميذ في الصف الأول متوسط، أي بعمر ثلاث عشرة سنة. 

بعدها قرأت كل مؤلفات الكاتب ديستيوفسكي بترجمة سامي الدروبي، وابتعت مجموعة رواياته في صندوق كارتوني واحد بمبلغ أكثر من 100 دينار في الثمانينيات وقد سرق مني الصندوق وما يحوي خلال العدوان الأمريكي على العراق واحتلال القاعدة التي كنت أعمل فيها عام 1991.

حكاية الأمثال:

المثل الشعبي هو خلاصة التجربة الإنسانية، ويبنى بكلمات قليلة، وبعبارة قصيرة، وبعض الأحيان نقول نحن العراقيون، أو أصدقاؤنا الروس بعض هذه الأمثال لسبب ما. 

ومن هذه الأسباب ورود هذا المثل الذي جرى على صديقة زميلي عندما كانت تتحدث مع زميلتها الروسية وقد أخبرت صديقها العراقي، زميلي الضابط.

سألني زميلي م، (ج) هل عندنا مثل يشبه هذا المثل الروسي؟ وذكر ترجمة للمثل باللغة العربية.

(في الغابة لا يتاجرون بالحطب, وعلى ضفاف البحيرة بالسمك ).

وأصله في اللغة الروسية كما مكتوب في دفتره، وقد كتبته صديقة بهذه اللغة.

(В лесу они не торгуют дровами, а берега озера - рыба،)

قلت له:

- ومن أخبرك به، أو سأل عنه؟

قال:

- صديقتي...

قلت له:

- نعم عندنا مثل يشبهه، وذكرت المثل العربي له، وهو (لا تبع الماء بحارة السقايين).

وسألنا أحد الضباط الذي درس في روسيا وهو ر، (خ) فترجمه لنا:

(Не продавайте воду для моряков)،

الكتاب المفتوح" رحلتي الى الاتحاد السوفيتي عام 1979" الأدب والرسم في السفر

***

بانوراما موسكو ومعالمها

قبل العودة إلى العراق، زرت العديد من المعالم في موسكو، أبرزها "بانوراما موسكو" التي تسرد معركة واترلو بين الروس والفرنسيين. هذه التجربة كانت مليئة بالتفاصيل التاريخية التي تثري الوعي الثقافي وتبرز أهمية التعلم من الماضي.

أثناء الاستعداد لرحلة العودة إلى العراق، بقينا أسبوعا في موسكو ننتظر الطائرة العراقية لتقلنا إلى الديار، في هذه الفترة زرت الكثير من مناطق موسكو الجميلة، ومرة اقترحت على بعض الزملاء الضباط أن نزور بانوراما موسكو، ذهبنا إليها، وكان صف المنتظرين طويل، فذهبت إلى المسؤول وأخبرته أننا عراقيون وعلينا أن نغادر في الغد وجئنا لزيارة البانوراما فأرجو أن يسمح لنا بالدخول دون الوقوف في الصف، قبل المسؤول ودخلنا.

 كانت البانوراما تحكي معركة واترلو بين الروس والفرنسيين بقيادة نابليون، وكانت في القاعة صور معلقة على الجدار لقادة عسكريون، وهناك مرشد سياحي ومعه "ڴروب" سياحي أجنبي.

الثقافة المزدوجة: تجربة فريدة

كوني عراقياً، أحمل مزيجًا من القيم الحضارية والبدوية التي صاغتها البيئة النهرية والصحراوية للعراق. انتقالي إلى بيئة روسية مغايرة تمامًا مثل الثلجية كان تحديًا كبيرًا، لكنه في الوقت نفسه أتاح لي فرصة استكشاف قيم وتقاليد جديدة.

في عام 1980 أقيمت الندوة العربية الثانية للفلكلور (1 – 5 أيلول 1980 ) وقد شاركت ببحث بعنوان (وحدة التراث الشعبي العربي – مدخل تاريخي للوحدة العربية من خلال القصص الشعبي العربي). 

وقد شارك في الندوة مجموعة من الباحثين العرب والأجانب وكان الدكتور شرباتوف أحد المشاركين فيها، وقد توثقت علاقتي به، وزرته عندما ذهبت إلى موسكو أثناء سفرتي الثانية عام 1982، في مكان عمله، وأظنه معهد الاستشراق في موسكو. 

وقد أخبرني أن أعداد مجلة "الثقافة" التي نشرت فيها مجموعة كثيرة من دراساتي عن الشعر العامي العراقي موجودة في المعهد، وكذلك أعداد من مجلة التراث الشعبي العراقية التي نشرت فيها دراساتي التراثية.

الكتاب المفتوح" رحلتي الى الاتحاد السوفيتي عام 1979" الأدب والرسم في السفر

***

الثقافة المزدوجة: تجربة فريدة

كوني عراقياً، أحمل مزيجًا من القيم الحضارية والبدوية التي صاغتها البيئة النهرية والصحراوية للعراق. انتقالي إلى بيئة روسية مغايرة تمامًا مثل الثلجية كان تحديًا كبيرًا، لكنه في الوقت نفسه أتاح لي فرصة استكشاف قيم وتقاليد جديدة.

أحمل أنا جينات الثقافة المزدوجة، أو التي سماها الدكتور على الوردي بالشخصية الازدواجية، إذ إنها تحمل قيم الحضارة والبداوة في الآن نفسه، فالعراق بلد نهري يمكنه أن يبني حضارة له وهذا ما كان، وفي الوقت نفسه هو قريب من الصحراء، والقبائل البدوية تفد له، ويمكنه أن يكون بلداً صحراويا، بدوي، إضافة لكونه بلدا حضاريا، لهذا فانتقالي من ذلك المجتمع إلى المجتمع الروسي، الثلجي، يمكن أن يكون صعبا بالنسبة لي ويحتاج إلى وقت طويل.

الأدب والرسم: رفيقا السفر

خلال الرحلة، ظل الأدب والرسم يرافقانني كصديقين مقربين، حيث إنهما وسيلتان للتعبير والاكتشاف. هذه التجربة أكدت لي أن الفن والثقافة هما لغة عالمية تربط بين الشعوب مهما اختلفت لغاتهم.

خاتمة: رحلتي إلى الاتحاد السوفيتي لم تكن مجرد رحلة عادية، بل كانت مغامرة ثقافية أضافت الكثير إلى رصيدي الأدبي والفكري. الأدب والفن هما مفتاحا فهم الآخر، وهذه التجربة أكدت لي أن التفاعل الثقافي هو السبيل لتعزيز الروابط الإنسانية وبناء جسور التفاهم.

الفصل الاول  أضغط هنا
الفصل الثاني  اضغط هنا
الفصل الثالث اضغط هنا
الفصل الرابع اضغط هنا
الفصل الخامس اضغط هنا 
الفصل السادس اضغط هنا
الفصل السابع  اضغط هنا

الفصل الثامن اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent